الخميس، 6 ديسمبر 2012

الشعثاء سلطان / مقال جميل / إلى معتقلي الرأي في سلطنة عمان



أصدقائي وإخوتي ‏‫#معتقلي_عمان‬‏ الأعزاء،،
هل تأخذون بكلامي أنا من لم تتعدى خبرتي في هذه الحياة الثلاثة وعشرون عاماً؟ لا تيأسوا من روح الله! أنا من بلغ الإحباط واليأس مبلغه معي، من لا تمر ليلة بغير ما أذكركم وأدعو لكم.. لا لشيء إلا لأني بصرتُ جمال أرواحكم، والجمال لا يُسجن! أنا من أؤمن بالإنسانية وأرى أن الخلاص لا يكون بغير الحب والجمال.. كدتُ أفقد الأمل من كل شيء.. كدتُ أتخلى عن انتماءاتي لفرط ما خذلتني، وشعرت بالبرود تجاه وطني!
إلى أن أتتني فراشة وحطت على قلبي…
لذا أتحدث الآن، تحت تأثير ألوان أجنحة الفراشة.. في سجونكم المظلمة تذكروا كيف يتخلل الضوء من أصغر المنافذ وكونوا كالمشكاة في نوره وانعكاس ضياءه.. استمعوا إلى موسيقى قلوبكم وهي تنبض حباً وأملاً وتمرر النوتات الموسيقية إلى أجسادكم وتملؤها نغماً مبهجاً كمعزوفات فيفالدي الصيفية.. تأملوا كل شيء.. وجوه المتعبين من حولكم، تفاصيل الجدران وخطوطها الاسمنتية، انحناءة الكوب الذي تشربون منه الماء.. وكلما رأيتم ابتسامة إنسان ما.. احفظوا ابتسامته في ذاكرتكم.. خزنوها جيداً لعلّها تلهم رواية ما، أو قصيدة حب.. تذكروا أن “الجمال ليس خاصية في ذات الأشياء بل في العقل الذي يتأملها” كما يقول - وأؤمن بذلك كثيراً - ديفيد هيوم.. عقولكم جميلة وستبصر الجمال ولو في أحلك الليالي.. أثق بذلك..
كل ما يحدث عبارة عن لعبة عظيمة… تخوضون فيها لأول مرة، فلتجربوها بدهشة الأطفال الأولى حين يكتشفون حديقة الملاهي! تماماً مثلما فعل غيدو أورفيتشي في الفيلم الإيطالي “الحياة جميلة” حين أقنع ولده الصغير أن معسكر الإعتقال النازي هو في الحقيقة لعبة كبيرة تدوم لشهور والفائز فيها يحصل على دبابة! لذا برر تكشيرة الجنود بأنهم يريدون الفوز بأي وسيلة كانت، وأصوات القنابل ما هي إلا لبعث الخوف في نفوسهم كي يستسلموا، واختفاء الأطفال ناتج عن اختبائهم والذي هو من ضمن قواعد اللعبة! الحرب بيئة خصبة للخيال، وكذا السجن أيضاً.. وماذا نجيد نحن بنو البشر سوى توظيف الخيال وإخراجه في صورة عمل ما؟! وما هي أحلامنا سوى خيالاتنا تسرح بعيداً نحو السماء؟!
قد يقول قائل، وكيف تنصحين وأنتِ لم تجربي السجن يوماً؟! وما نفعل بأهلينا وأمهاتنا وأولادنا، من يعيلهم؟! ووظائفنا ودراستنا واستقرار حياتنا سابقاً؟! وآمالنا وأحلامنا وخططنا المستقبلية؟! ومن يعوضنا هذه السنة الضائعة.. ذهبت من العمر هباء؟! أقول، ولعلَّ قولي هذا لا يجدي نفعاً إذ أني حقاً لا أعرف، ولربما لو كنتُ في محلكم لأخذ مني الإحباط مأخذه ولاستسلمت لليأس والتشاؤم.. ولكن ابحثوا عن الفراشة التي ستحط على قلوبكم، وحين تصل.. على هيئة فكرة أو ابتسامة أو فعل خير من طفل أو غريب.. بأي شكل كانت.. ستعلمون يقيناً أنها من السماء.. والسماء لا تخذلنا أبداً..
الشعثاء سلطان