الخميس، 17 يناير 2013

سيدي السلطان ومواطن شاب / بقلم / أبو زيد الرواحي.



خرج سيدي السلطان - حفظه الله- البارحة من مخيمه؛ ليطمئن بنفسه على أحوال البلاد والعباد، ويرقبها عن قرب، ولتبدو له ظاهرة جلية، وقد وفق سيدي وتحققت أمنيته في أن يلتقي بذلك الشاب الثلاثيني الذي لا يعرف للمزايدة والخوف والمجاملة والمغالطة سبيلا، و ربما هذا ما يريده سيدي من الخروج، وما يفتقده فيمن حوله إذ تزييف الحقائق وقلب الموازين في أحايين كثيرة.
كان سيدي قد التقى بذلك الشاب قبل عدة سنوات في إحدى جولاته، وها هو يلتقي به البارحة ثانية، وتلك حكمة اﻷقدار.
تبادلا التحية والتقدير وجدد الشاب الولاء والانتماء، وأكد الصراحة والصدق والشجاعة في القول، وعدم رغبته في أي عطاء، كما أكد له سيدي اﻷمن واﻷمان.
سأله عن أخباره وأحوال أسرته، فأجابه: ما دمنا بفضل الله ثم بفضل خيرات البلاد وحكمتك مطعومين من جوع، وآمنين من خوف فكل المصائب والبلايا تهون.
تذكر سيدي حينها قصة زملائه الأربعة الذين حدثه عنهم المرة الماضية، فبادره بالسؤال عنهم، وعن موضوعهم المعرقل في اﻹسكان، فأجابه: لقد لقوا حتفهم يا سيدي في حادث سير أليم، ولربما كان الموت خيرا لهم من مهانة ومذلة اﻹسكان.
سيدي: إنا لله وإنا إليه راجعون. ألا تزال الحوادث مستمرة؟!
الشاب: مستمرة سيدي وفي ازدياد.
سيدي: ألم يؤثر كلامنا فيهم شيئا؟! ألم تؤت ندوة السلامة أكلها؟!
الشاب: كأنك تنفخ في رماد.
سيدي: وأين جهود الشرطة؟
الشاب: جهودهم تشكر ولا تنكر، ولكن همهم اﻷكبر جباية اﻷموال من القواعد المرورية.
سيدي: لا تفتر الكذب. 
الشاب: ربما بالغت في القول والقول بأن ذلك همهم اﻷكبر، ولكني ما كذبت على أحد قط، أأكذب عليك؟!
سيدي: أعطني مثالا على ما تقول.
الشاب: اسألهم يا سيدي عن الهدف وراء إخفاء أجهزة ضبط السرعة المتنقلة، وجعلها مستورة عن اﻷنظار قدر اﻹمكان، هل تحقق شيئا غير جباية اﻷموال؟! واﻷمثلة كثيرة.
سيدي: أعطني سببا لهذه الحوادث إن تغلبنا عليها سلمت البلاد والعباد، وسنتابع أمرنا مع الشرطة.
الشاب:{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.
ولا شك أن الصالحين يهلكون إذا كثر الخبث.
سيدي: أي فساد هذا وأي خبث؟!
الشاب: خمور وزنا ومراقص وربا وبيوت دعارة، ورشى وسرقات، وهدر للمال العام، واستغلال للمناصب و..
سيدي: كفى كفى. سأعمل ما حييت ﻷجل عمان وأبنائها.
وما بالك قلت عن زملائك بأن الموت خير لهم من مهانة ومذلة اﻹسكان؟!
الشاب: آآآه يا سيدي. اﻹسكان وما أدراك اﻹسكان؟! حديثها يدمي القلوب، ويجلب الهموم والغموم، حديثها يشيب لها الشباب، ويكفيك شيبا يا سيدي، ولن أحدثك عنها شيئا.
سيدي: رمال بوشر وتم الفصل فيه، فماذا بعد؟!
الشاب: ما قبله وما جاء بعد خطب جلل.
سيدي السلطان: حديثك كله هكذا نكد في نكد.
أرحني قليلا وحدثني سريعا عن منخبتنا البطل.
الشاب: عاد إلى عهده القديم.
سيدي السلطان: وحتى حديث الكرة هكذا! ما بالهم انتكسوا ؟!
الشاب: الحذاء وقلة ما يتقاضاه مدربهم.
سيدي السلطان: {وقليل من عبادي الشكور}.
إنك لا تذكر إلا المساوىء والزلات، ألا تذكر آلاء البلاد التي تتنعمون بها، وتحسدون عليها؟!
كن شاكرا يا ولدي، فبالشكر تربو النعم.
الشاب: يا سيدي إن نعماء البلاد وفضائلها تتحدث بنفسها، ولست بحاجة لمن يخبرك عنها.
يا سيدي اﻹعلام والبطانة من حولك لا يخفون عنك شيئا فيما يتعلق بالتطور واﻹنجاز، وأنت يا سيدي ما خرجت في هذه الليلة الشاتية المظلمة لتبحث عن مطبل ومنمق ودجال، ولا لتسمع من يثني عليك أو يحكي الإنجازات الناطقة، فأحسبك مللت سماعها؛ وإنما خرجت لتعرف ما قد يكون عنك خافيا.
نعم يا سيدي السلطان لدينا المدارس والمعاهد والشوارع والمشافي وغيرها من الخدمات كثير، و{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} ولكن إن حدثتك عن المشاريع واﻹنجازات، فسأخبرك ما حاطها من فساد كبير، وقد كان فسادا وأصبح فسادين.
سيدي السلطان: وماذا تقصد بالفسادين؟
الشاب: ما قيمته باﻷلف ينجز بالعشرة، وما قيمته العشرة ينجز بالمائة.
وما تصان به منشأة معنا، تبنى به اثنتان عند غيرنا، وما يبنى به مدرسة معنا، يبنى به عشر مدارس خارج بلادنا، وهلم جرا.
أيعقل يا سيدي السلطان أن تكون مناقصة خمس دورات مياه تربو على الثلاثين ألف ريال؟!
هذا الفساد اﻷول فساد هدر المال العام ونهبه، وأما الفساد الثاني وهو الفساد اﻷعظم، فليتهم سرقوها ونهبوها وأتقنوا البناء واﻹنشاء كما هو حال السابقين، وإنما زاد الغش وضعف البناء وتهدمت السقوف وتشققت الجدران، فلا نحن بأموالنا ولا نحن بجودة بنائنا.
ألم يصلك يا سيدي نبأ كلية الحقوق؟! ألم يصلك نبأ مبنى إسكان عبري؟! ألم يصلك نبأ مدرسة اﻹبداع وكثير يا سيدي.
سيدي السلطان: وكيف يحدث هذا؟! وما سببه؟!
الشاب: كعكة يتقاسمونها وكل واحد يأخذ نصيبه بدءا بأكبرهم، وسببه أن أصحاب المناصب والقرار هم أصحاب الشركات والتجار.
سيدي السلطان: أنت نعم الرجل! تفاءل يا ولدي وابتسم، وغدا بإذن الله فجر جديد، وليكن لقاؤنا مجددا.
الشاب: دائم أبتسم عندما أتذكر مبنى وزارة التربية والتعليم بمرتفعات المطار يا سيدي، ولكن اعذرني عن تجدد اللقاء، فغدا ظهرا متجه إلى خارج الوطن الكبير؛ لعلاج والدي العزيز.
سيدي السلطان: شفاه الله وعافاه، ومستشفياتنا أليست واسعة كافية؟!
الشاب: أيعقل يا سيدي السلطان أن ينتظر موعدا فقط ثمانية أشهر، وهو يعاني من مرض القلب؟!
سيدي السلطان: وهل أخذت مكافأة من ديواننا تعينكم في سفركم؟
الشاب: ليس أبي من علية القوم ولا من أصحاب المناصب والمراتب ولا من شيوخ القبائل ولا من أبناء الديوان.
هنا انتهى الحوار الشائق، والشاب يتساءل محتارا: أحقا لا يعلم سيدي السلطان بما قلته وعنه سأل، أم جاء ليتأكد ويزداد يقينا؟ 
بقي السؤال حائرا باحثا عن جواب، وعندها توقف خيال الكاتب، والله المستعان.
أبو زيد الرواحي.