الثلاثاء، 15 يناير 2013

مقال جميل / للكاتبة .. عادلة عُدي.. بعنوان / هدم الجدران المحضورة / مدخل للوعي البشري





الدماغ هو الجهاز الأكثر تعقيداً في جسم الإنسان، وهو المتحكم الأساسي بكل جزء فيه بواسطة انسجة عصبية شديدة الحساسية ترسل إشارات إلى اجزاء الجسم بالعمل المحدد الواجب القيام به، فهو المتحكم الرئيسي بكل خلية من جسد الإنسان، كما أن الدماغ هو المحفز الرئيسي للتفكير، وكلما مارس الدماغ التفكير واستنباط المعلومات والبحث والتفاعل مع العلم والعالم من حوله كلما ساهم ذاك في تحسين وظيفة الدماغ، مثلها مثل ممارسة الرياضة البدنية، فالجمود الفكري يؤدي تدهور عمل الدماغ ويسبب فقدان للذاكرة والمهارات الحركية والخمول في كل اجزاء الجسم وبالتالي تدهوره وعدم مقدرته على التفاعل مع مجريات الحياة من حوله.
القيمة المعرفية للدماغ تتجدد وتتطور ويتم تعديلها عن طريق العلم والبحث، ولا يتم ذلك سوى بالوعي، والوعي نابع من داخل الذات بإدراك ما حولنا وتحليله بصورة صحيحة في داخلنا، وبحسب سيغموند فرويد (مؤسس علم التحليل النفسي) فالعقل الواعي يُكون كل شيء داخل وعينا، هذا إلى جانب معالجته الجوانب العقلية في طريقة التفكير والتحدث بصورة عقلانية، فالعقل الواعي يشمل الأحاسيس والتصورات والذكريات والشعور والخيال واستخلاص الافكار منها، وحين يقمع الإنسان الاشياء ويرغب بأن تكون مخفية أو مكبوتة تذهب إلى العقل اللاواعي، فتتركم المشاعر والافكار بداخل العقل اللاواعي، مما قد يكون لها تأثير على سلوكه، كما أن العقل الواعي يكون مسؤول عن جزء من العملية اللاإرادية من الحركة بداخل جسم الإنسان على سبيل المثال: العقل الواعي يوازن ضربات القلب بصورة طبيعية ومنظمة.
ساهم العقل الإنساني الواعي على التطور الحضاري في الكون، وتلك المساهمة تطورت في خلال مراحل وسنوات طويلة حتى وصل الدماغ البشري إلى ما هو عليه في الوقت الحالي من الوعي بالأدوات من حوله، فإنسان الكهف في السابق لم يكن حجم دماغه بمثل ما هو عليه حجم دماغ الإنسان في الوقت الحالي، كما أن المدارك والأدوات والوعي والمعرفة كانت شبة منعدمة لديه، ولكن التطور والتغيير ساهم في خلق تواصل معرفي في الدماغ وتحديدا في العقل، فالعقل لا ينمو في الجمود وإنما تصيبه حالة من الاعاقة الفكرية، كما أن الإنسان الأول بحسب الدراسات والبحوث لم يتطور دماغه بمثل ما عليه الآن ومسألة الإدراك والوعي واللاوعي مرت بمراحل وسنوات طويلة حتى وصولها في الوقت الحالي بمثل ما عليه الآن ، فالتطور والوعي وسيادة الحياة الاجتماعية للبشر ساهمت في إنتاج اختلافات فكرية وعلمية هائلة قابلة للتطور والتغيير واختلافات حضارية مختلفة بحسب البيئة التي يعيشها فيها الإنسان، وبالإمكان رؤية تلك الاختلافات بين إنسان متعلم في مجتمع مدني، وإنسان جاهل في مجتمع قروي، كما أن حاجة الإنسان الأول للبقاء والتكاثر في المجموعات الكبيرة من أجل الاحساس بالأمان ساعد على تطور مقدراته الفكرية، و تلك الجماعات الكبيرة ساهمت بخلق تعقيدات تمثلت في محاولة فهم مشاعر الآخرين (من ألم أو فرح) وأفكارهم وابتكرت اللغة من أجل التواصل مع افراد الجماعة الواحدة ،وبالتالي نمو الذكاء البشري، فالذكاء خوله بأن يبحث عن مهارات تجنبه المرض ويبحث عن مصادر الغذاء، وظهرت الصفات النفسية التي قسمت النفسيات ووضعت المصطلحات، فأصبح الإنسان كائن مفكر.
وعي الإنسان جعله يحاول ابتكار طرق مختلفة تعزز من صلاته بالمحيط من حوله، فحاول فهم الطبيعة التي كانت بالنسبة إليه قوة مخيفة قادرة على آذيته بسبب ضعف التواصل والوعي والعلم مع ركائز تلك الطبيعة، فوضع معتقدات وفرضيات بحسب الأدوات المتوفرة لديه من أجل التطور والتقدم، وتعلقه بالجماعة ساهم بنشر تلك الأفكار، بالسيطرة عليها أو بمحاربتها أن كانت لديه القوة لذلك، وتلك كانت أساسيات صنع التاريخ والحضارات البشرية.
في الوقت الحاضر تطور الوعي وظهر مصطلح الوعي العلمي في العقل الإنساني فأصبح يبحث عن مداركه بمفهوم علمي يقرأ الطبيعة بطريقة يبتعد عن محاولاته السابقة للسيطرة عليها، كما شكل الوعي بالتقدم العلمي والتكنولوجي أهم منطلقاته ،  فالبحوث العلمية والدراسات الحالية تساهم في محو الأمية العلمية وتكشف أسرار الكون على أسس ومقياس ومنهاج علمي، وكيف تكونت الحضارات البشرية والدين والفن والفلسفة وغيرها من مظاهر التطور الإنساني عبر التاريخ، كما أن الوعي العلمي ساهم في زيادة الوعي العام للحرية وخلق مجتمعات تبنت التفكير العلمي عززت من الثقة بين أفراده بما تحمله من أفكار علمية أزالت الأوهام والخرافات وساهمت بتطور مدركات الإنسان والدفاع عن حقوقه وحرياته، فهذا الوعي أجاب عن أسئلة كانت في السابق من المحظورات أو بسبب الجهل في معرفة الإجابة عنها ولكن بوجود التجارب العلمية مع الوعي ساعد على الكشف عن ذاك الغطاء الذي كان يحاول الإنسان اخفائها بسبب الخوف منها وبسبب قوة الأوهام التي خلقها.
وفي الأخير فأن التدرج في الوعي الإنساني حتى الوصول إلى المدارك العلمية سيخلق حضارة وإنساناً جديداً يتبنى المصادر العلمية الموثوقة لبناء أساسيات معارفة.

نشر بجريدة الرؤية بتاريخ/ 16/ يناير/2013