الجمعة، 28 يونيو 2013

الروائي .. محمد عيد العريمي / كل شيء مباح باسم محاربة الإرهاب (ملخص مقالة طويلة)


      كل شيء مباح باسم محاربة الإرهاب (ملخص مقالة طويلة)
      أجزم أن أغلب فضائيات الـ"غناء"، هذا إذا صحت التسمية، تبارك نشاطها وانتشارها إرادة خارجية تتقاطع مصالحها السياسية مع المصالح التجارية لأصحاب هذه القنوات. ورغم أني كنت انظر إلى المؤمنين بنظرية "المؤامرة" وهم من يلقون بأسباب متاعبنا، وهي كثيرة، على الغرب.. لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، أنهم لا يعيشون عصـرهم وغير قادرين على استيعاب متغيراته، إلا أن من يتفحص، وعن كثب، طبيعة برامج هذه الفضائيات وتأثيرها المدمر على جمهور المتابع لها ـ وجلهم من الشباب ـ لا يسعه إلا أن ينظر بعين الشك في نويا من يقف وراء ها!
      الكارثي في الأمر أن نجاح ما فشلت فيه آلة الإعلام والرافعة الاقتصادية الأمريكية في تحقيقه لم يأت على يد الصهاينة كما جرت العادة، وإنما تكفلت به رؤوس المال العربي عبر فضائيات وصفها بالـ"عهر" لا يفيها حقها. أرجو أن لا تثير كلمة "عهر" هذه حفيظة أحد، وأن تؤخذ في إطار سياق الحديث ومدلولاته، فالكلمة لها دلالات لغوية عديدة حسب ما يذكر صاحب "لسان العرب" الى جانب تلك التي أول ما يقفز الى الذهن!
      هؤلاء للأسف الشديد يسعون للكسب المادي السريع حتى ولو كان الثمن باهظا، وهم يدركون جيدا أنهم ومن خلال "فضائياتهم" يشاركون وبأشد أنواع الأسلحة فتكاَ في تحقيق ما لم تحققه مبادرات كثيرة مشبوهة لكسب عقول وقلوب العرب والمسلمين.. لعل أشهرها "الشـراكة الأميركية الشـرق أوسطية" و"راديو سوى"، وقناة الحرة وأخرى غيرها.. تلك التي كانت تستهدف المواطن العربي لنيل وده.
      هذه المبادرة وغيرها من برامج ووسائل إعلامية موجهة لمخاطبة الإنسان العربي والمسلم، ورغم نوايا الجهة التي تقف وراءها ووضوح أهدافها إلا أنها لم تنساق وراء إثارة الغرائز كوسيلة بديلة حين تبين لها أنها منيت بالفشل في تحقيق أهدافها عن طريق مخاطبة العقل، وإنما تركت المهمة لـ"أهل الدار".
      إذن هل يمكن القول أن أصحاب بعض الفضائيات الغنائية على دراية تامة أن ما تقوم به محطاتهم هو كسب غرائز الشباب وتسطيح أفكارهم وتخديرهم بمادة اسمها "المذيعة التي تكشف أكثر مما تستر" والغناء الذي أصبح كلمة "هابط" ناقصة في حقه؟! وهل يعلم هؤلاء أنهم بذلك يلعبون دورا أكثر خطورة وإجراما بحق أبنائهم ودينهم وعروبتهم؟!
      اعترف أن لهجتي السابقة جارحة، لكن من المؤكد أني لم أتجن على احد، إلا إذا كان هناك من يستطيع أن يبرر سلوك المذيعات اللواتي يتناوبن على إغراء الشباب وإغوائهم بالابتذال في المظهر والحديث والإيحاء: الشباب الذين أصبح وضعهم لا يختلف كثيرا عن مدمني المخدرات، الذين يمضون ساعات طوال أمام شاشات التلفزيون، وأصابعهم تطبع تلقائيا على أزرار الـ"موبايل" رسائل فيها "ما يخدش الحياء كثير" تظهر مباشرة على الشاشة.. موجهة إلى كاتبات رسائل يعتقدون أنهن فتيات حقيقيات من لحم ودم، يجلسن مثلهم أمام شاشة التلفزيون في أماكن أخرى من العالم، في حين أن أغلبها تَكْتَب داخل أستوديو المحطة نفسها، وتصاغ وفق ما يشتهيه كل متابع على حده بحيث يتوهم الفتى أن هناك فعلا فتاة تبادله عبارات الغزل، وخلال ذلك كله يدور عداد تسجيل تكاليف الرسائل الهاتفية وتحقق المحطة الربح المادي الذي تسعي إليه بغض النظر عن الوسيلة وتخدم في الوقت نفسه تلك الجهات التي فشلت في كسب عقول الشباب العربي وقلبه!
      إننا نتعرض لحملة "إفساد أخلاق" بشعة، ورغم ذلك نَسَلِّم نحن شعوبا قبل أنظمة بالأمر الواقع، وندفن رؤوسنا في التراب خوفا من العصا الغليظة وحبا في البقاء على الكراسي الوثيرة، ونعيد التفكير ألف مرة قبل قول كلمة "حق".. تجنبا لإثارة غضب أصحاب القرار في أمريكا أولئك الذين لا يؤمنون بحرية رأي الآخر إذا كان هذا الآخر ليس منهم وكان رائه لا يتفق مع ميولهم.. سياسيون ينتهجون سياسة أحادية النظر لا تعرف من الألوان غير الأبيض والأسود و"من ليس معنا فهو ضدنا".
      ـــــ
      * رفضت الجريدة (غير عمانية) التي استكتب فيها بمقالة (كل اسبوعين) نشر هذه المقالة.