ظواهر تكشف .. واقع البيروقراطية
ما هي خلفيات وأبعاد ظاهرة التسول في محافظة ظفار؟ وهل بقية محافظات البلاد تعاني منها أم هي ظاهرة خاصة بظفار؟ وكيف عجزت الأجهزة المختصة في القضاء على هذه الظاهرة حتى الآن؟ بدليل، انتشارها بصورة مقلقة ومزعجة، وبدليل آخر، علم كل المسئولين في ظفار بها، علم يقيني، فأينما تذهب فسوف تجدهم أي المتسولين أمامك، واغلبهم من فئة النساء والأطفال، ويستغلون بالذات مناسبات الأفراح والأحزان، فرؤية نساء أجنبيات بعبايات محلية سوداء ومعهن أطفال، أو أطفال دون أمهاتهن، مشاهد مألوفة على مدار اليوم، وفي كل الأمكنة تقريبا مع إعطاء خصوصية لتلك المناسبات التي يحضرها كل شرائح المجتمع، ونتوقع أن تمس هذه الظاهرة الموسم السياحي الخريفي المقبل أكثر من أي وقت مضى، إذن، لماذا لم يتم وضع حد لهذه الظاهرة؟ وكيف نتركها تتزايد حتى وصل الأمر أن تستهدف الشحاتات المنازل .
فمن بين القصص المثيرة التي وقعت حقيقة، مفاجأة احدى الأسر بشحاتة أجنبية داخل مجلسها دون استئذان، وهذه ليست حالة فردية، وإنما يكثر الحديث الاجتماعي حول مثلها، وقد فتحنا قضية الشحاتة في أكثر من مقال، لكن استجابة الجهات المعنية تكون محدودة ووقتية، وهذا له دلالات وخلفيات خطيرة خاصة إذا ما أضفنا لهذه الظاهرة، ظواهر أخرى كظاهرة الباعة المتجولين على الدراجات الهوائية، وظاهرة الأيدي العاملة الأجنبية ،، السائبة ،، وتمركزها في الأحياء القديمة، وكأنها مجتمع مستقل داخل مجتمعنا، له سلطته، وأجهزته، وأسواقه، وأنظمته، وظاهرة المخدرات التي أظهرت من خلالها سلطاتنا المحلية وكأنها غير معنية بها، ما عدا الأجهزة الأمنية المختصة، ولو قمنا بتحليل إخفاقات الجهد الحكومي المحلي في حل مثل تلك الظواهر الخطيرة، فسوف نطلع باستنتاج علينا أن نعلنه بصوت مرتفع، وهو يكمن في عدم مقدرة الجهاز البيروقراطي على العمل بصورة منتظمة وباحترافية عالية، وعلينا هنا أن نفتح رؤية مستقبلية قياسا بهذا الفشل، ومن خلالها سوف نجد أنفسنا نشعر بثقل البيروقراطية وتأثيراتها السلبية على مفاصل حكومية مهمة، من هنا، علينا أن نفتح نافذة استشرافية على وظائف الدولة الأساسية كالأمن مثلا إذا ما تركنا البيروقراطية تتأصل في بنية مؤسسات وأجهزة حكومية رئيسية، والحذر كل الحذر من البيروقراطية، فقد نجد الدولة ـ لا قدر الله ـ عاجزة عن المحافظة حتى على الأمن، والسبب البيروقراطية، هذه رؤية استشرافية نستقيها من رحم تلك الإخفاقات، وقد اعترضت تحليلنا بصورة تلقائية، مما غيرت بنية مقالنا من التركيز على ظاهرة التسول إلى جعل التسول أحد أهم تداعيات البيروقراطية، فمن خلال ظاهرة التسول تولد لدينا شعور قوي بالبيروقراطية، فوجدنا فيها نافذة نطل منها على المستقبل، وبالتالي نحذر من البيروقراطية التي تقتل الإبداع وتشل حركة الفعل وروحه، وتحول الإدارات وأطرها وموظفيها إلى مجرد هياكل دون إنتاجية، بحيث تصبح مجرد تسيير أعمال روتينية، وتكشف تلك الظواهر من بينها ظاهرة التسول واقع البيروقراطية، فانتشارها، وجرأة محترفيها، ناطقة بالبيروقراطية التقليدية التي لا يمكن أن تعايش المستجدات ولا ظروف العصر الذي يشهد تغييرا جذريا شاملا في القيم والعلاقات والأفكار، وهذا يعني أن بلادنا سوف تواجه مشكلات إنسانية واجتماعية وأمنية لن تقوى المؤسسات البيروقراطية على حلها، مؤشرنا كذلك، تغلغل الهجرة غير الشرعية التي دخلت بلادنا منذ سنوات والتي حتمت تدخل الجيش، ولو لا هذا التدخل، لشكلت لبلادنا صداعا مزمنا، فكيف دخلت أعداد كبيرة الى ظفار؟ وكيف تركناها تنتشر في المزارع والبيوت القديمة وفي الجبال والصحراء ؟ وهناك بوادر نخشى من خلالها تكرار نفس السيناريو بسبب تصاعد الأحداث في اليمن الشقيق، والشيء نفسه، بالنسبة للمتسولين والمتسولات، فعددهم وانتشارهم يشيران إلى وجود ثغرة إدارية وأمنية واجتماعية كبيرة، وإلا، فكيف دخلوا؟ ومن أين جاءوا؟ وما هي وضعيتهم القانونية في البلاد؟ وكيف تركوا يمارسون تجارة التسول بكل حرية؟ إنها البيروقراطية التي تقترن بالروتين والتعقيد والجمود، فكيف لو اقترنت البيروقراطية بتضارب وتعدد ادوار المؤسسات؟ عندئذ، سوف يتولد عنها التواكل والاتكالية، وبترك ظاهرة التسول بتلك الحرية، قد أصبحت بعض الأيدي العاملة الوافدة الآسيوية، تمتهن ظاهر التسول، وقد تتطور هذه الظاهرة بأشكال متعددة، وبأعضاء جدد، وقد تخرج عن نطاقها ومساراتها لتشكل ظواهر أخرى غير أخلاقية .. لم لا؟ فجميع الظواهر السلبية إن تركت تتراكم وتتضخم، سوف تتطور، وينجم عنها بالتبعية، ظواهر أخرى، إلى درجة أن حلها يكون بفاتورة كبيرة .
إذن، كيف يمكننا تفادي قصور البيروقراطية الناجم عن عدم تعاملها مع المتغيرات الداخلية بالسرعة المطلوبة أو بالماهية المرجوة، وتجاهلها للبيئة الخارجية وبالذات المجاورة لنا؟ سوف نجد العلة في القيادات التنفيذية التي تتولى إدارة (بعض) المؤسسات الحكومية المختصة، فقد تحولوا إلى بيروقراطيين (مكتبيين) جل هم تسيير الأعمال اليومية (الروتينية) فقط، ربما يرجع ذلك الى خلفياتهم المهنية والعلمية والتأهيلية، وإلى نوعية المصانع التي انتجتهم، وقد يرجع إلى عدم تفرغهم للوظيفة العمومية، ككونهم قد أصبحوا رجال أعمال، وأصبحت أعمالهم الخاصة لها الأولوية على الوظيفة العمومية، وقد يرجع إلى قدمهم في المناصب، فهناك قيادات عمرها الوظيفي في المنصب عشرين عاما وربما أكثر، وقد أصبحت جسدا بلا روح، رغم حرصهم كل الحرص على ساعات العمل ابتداء وانتهاء، لكنهم، لن يفكروا ابعد من توقيعات موظفيهم الروتينية، هم مسيرون أعمال يومية فقط، وليسوا منظرين ولا مؤطرين لرؤى مستقبلية يمكن أن تتبناها قيادتهم العليا، وهنا تكمن المشكلة الكبرى، وجزء منها يكمن كذلك، ان قيادتهم العليا لم تطالبهم بنتائج ولا برؤى للارتقاء بالعمل، فهم صالحون لكل المراحل ما دامت المشاكل لم تظهر فوق السطح رغم تفاعلاتها واحتقاناتها تحت السطح، وهم يعلمون ذلك، فكيف لا نخشى مستقبلا حتى على الأمن والاستقرار بسبب البيروقراطية؟ المصلحة الوطنية تحتم القيام بمراجعة شاملة وعقلانية لكل مؤسسات الدولة العمومية، من حيث قيادتها، ومدى صلاحيتها للمرحلة الراهنة، لأنهم إذا ما صلحوا صلح بقية الجسد، والعكس صحيح، وذلك حتى لا تستحكم البيروقراطية في المفاصل الأمنية والمؤسسات الخدماتية، ويتداعى معها أهم ما تتميز به بلادنا وهو الأمن والاستقرار، وهذا سيكون رهانا أساسيا لقيادة الحراك الاجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني في الدفاع عن قيم وحماية المجتمع، ودونه، كيف سوف يتأتى لبقية مجتمعنا المدني لوحده محاربة المخدرات والحفاظ على النظام والآداب العامة أو الأيدي العاملة ... الخ إذن، كيف نرى الحل في ظل نظام المحافظات؟ هذا موضوع مقال الأربعاء المقبل