لم يعد الخامس والعشرين من فبراير يوما عاديا في حياة الشعب العماني، حيث اشرقت في مثل هذا اليوم شمس الإصلاح من أرض الجنوب كما أشرقت من قبل يوم الثالث والعشرين من يوليو المجيد وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد ليبدد ما تراكم طوال أربعة عقود خلت من أدران الفساد والاستبداد واستغلال السلطة وتراجع دولة المؤسسات والقانون لصالح ثلة أكلت الأخضر واليابس واحتكرت مقدرات الوطن، واختزلت الدولة في ذاتها وخدمة مصالحها الخاصة حتى إذا ما بلغ السيل الزبى ولم يعد في القوس منزع انتفض الشعب بروح الشباب المتوقدة إلى الحرية والعزة والعيش الكريم، مستلهما حراكه من ريح عربية هبت من أرض القيروان وسيدى بوزيد يحمل نسيمها أشلاء شاب عربي تجسدت فيه معاناة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج فلم يسعه إلا أن يحرق جسده قرباناً للشعوب العربية حتى تستيقظ من سباتها العميق وتنتزع حقها في العيش بحرية وكرامة، وهكذا تلاقت الأقدار مع إرادة الشعوب فدارت عجلة التغيير والإصلاح وتساقطت عروش الطغاة والفاسدين أمام ثورة الجماهير العربية الهادرة.
وكجزء من أمتنا العربية الخالدة لم يكن للتاريخ ان يرفع أقلامه أو تجف صحائفه قبل أن يسجل بمداد الذهب إرادة شعبية عمانية حرة تجسدت في ميادين الإصلاح من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ترفع عقيرتها بإسقاط الفاسدين وإصلاح النظام وتحقيق العدالة والمساواة والعيش الكريم لكل أبناء الوطن كحق مستحق، واستحقاق تفرضه حقوق المواطنة والانتماء للأرض والدولة تحت سقف الثوابت الوطنية القائمة على وحدة التراب الوطني -وحفظ أمن واستقرار الوطن- والحفاظ على النظام السلطاني العماني، وتحت هذا السقف تم رفع عريضة نداء الخير الأولى والتي تضمنت مجموعة مطالب إصلاحية تضمن تحقيق العدالة والمساواة والعيش الكريم لكل أبناء الوطن وتحفظ الأمن والاستقرار في بلادنا وتؤكد على قيام دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وتجتث الفساد والفاسدين وتصون مقدرات الوطن وثرواته، وتأكيداً على أهمية المطالب الإصلاحية وتفهم السلطة للمطالب الشعبية آن ذاك اذاعت وسائل الاعلام الرسمية خبر استلام السلطان عريضة المطالب الشعبية ومباركتها وإشادة جلالته بالحراك الوطني السلمي والحضاري للشعب العماني، ورغم قيام السلطات بإنهاء الحراك الشعبي المشروع والسلمي بالقوة العسكرية، واقتلاع خيام الاعتصامات واعتقال عدد كبير من شباب الاصلاح إلا أن التواصل مع المسؤولين وصنّاع القرار ظل قائماً وتوالت وعود المسؤولين بتنفيذ عريضة نداء الخير.
ومع حلول الذكرى الأولى للخامس والعشرين من فبراير لم يكن النظام قد استجاب إلا للنزر اليسير من المطالب الشعبية الإصلاحية، تمثلت في توفير عدد من فرص العمل ومنح مجلس الشورى صلاحيات شكليّة، وإنشاء مجلس بلدي جزء منه منتخب وبدون صلاحيات ذات قيمة تذكر، إضافة إلى استجابة السلطان العاجلة في بداية الحراك الشعبي بإقالة مجموعة من الوزراء طالب الشعب وبإصرار على إقالتهم ومحاكمتهم فتمت الاقالة دون المحاكمة، مع تراجع واضح على مستوى القوانين المعنية بحق التعبير والتجمهر والتظاهر والاعتصام، وتم تشديد القبضة الأمنية وممارسة سياسة الاعتقالات خارج إطار القانون، وإطلاق العنان للأجهزة الأمنية دون حسيب أو رقيب، الأمر الذي أصابنا بخيبة الأمل وخلق انطباعا بعدم جدية السلطة في إجراء إصلاحات حقيقة، ورغبة من شباب الاصلاح في منح المزيد من الوقت للنظام للاستجابة لبقية المطالب الشعبية الإصلاحية تم إعادة تقييم عريضة نداء الخير الأولى والإشادة بما أنجزته السلطة من المطالب الإصلاحية رغم هزالتها والتأكيد على بقية المطالب الإصلاحية في عريضة حملت اسم "نداء الخير الثانية"، واليوم وبحلول الذكرى الثانية للخامس والعشرين من فبراير يتضح جلياً أن النظام لم يعد يأخذ المطالب الشعبية الإصلاحية بمحمل الجد وأنه قد غلبت عليه الرؤية الأمنية في التعامل مع أي حراك شعبي أو مطالب إصلاحية وليس أدل على ذلك من الاعتقالات التعسفية والأحكام الجائرة التي طالت أكثر من خمسين شاباً وشابة من النشطاء والإصلاحين يقبعون في سجن سمائل المركزي إضافة إلى إجبار أعداد أخرى على توقيع تعهدات غير قانونية بعدم ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير والتظاهر والاعتصام ناهيك عن تجاهل النظام لبقية المطالب الإصلاحية الشعبية التي تضمنتها عريضة نداء الخير الثانية.
وأمام هذا التراجع الرسمي وخيبة الأمل الشعبي وغياب أي بوادر إصلاحية حقيقية وركون النظام إلى العصا الأمنية كسياسة ممنهجة لمواجهة المطالب الإصلاحية وتجاهل رغبة الشعب بتحول ديمقراطي وسياسي واجتماعي حقيقي يواكب مع متطلبات العصر والدولة الحضارية لا يسعنا في هذا الظرف العصيب ومن منطلق إيماننا بحقنا المشروع في العيش بحرية وكرامة في دولة مؤسسات حقيقية يكون الشعب فيها مصدر السلطات وشريكا في إدارة شؤونه إلا أن نعيد تأكيد مطالبنا في عريضة نداء الخير الثانية بكامل بنودها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتأكيد على حق الشعب في استخدام كافة الوسائل المشروعة والسلمية في انتزاع كافة حقوقه الوطنية التي يقرها النظام الأساسي للدولة والإعلان العالمي لحقوق الانسان، والتعبير عنها بكل الوسائل المتاحة، آملين أن يعي النظام وصنّاع القرار خطورة تجاهل المطالب الشعبية الإصلاحية، والتعويل على السياسة الأمنية التي أثبتت فشلها في إخضاع إي شعب وقهره وحمله على الصمت والخضوع والخنوع، الأمر الذي سوف يحمّلهم وحدهم مسئولية تبعات تلك السياسة الخاطئة وانعكاساتها السلبية على مستقبل الوطن وأمنه واستقراره.
وفي ختام بياننا هذا فأنا نهيب بأبناء الأسرة الحاكمة الكريمة النهوض بمسؤولياتهم التاريخية ودعم مطالب شعبهم المحقة في الإصلاح والتصحيح وبناء دولة المؤسسات الحقيقية التي وضع لبناتها الأولى حضرة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه، وليكونوا سنداً ومعينا لجلالته في استكمال بناء دولة المؤسسات التي يتطلع إليها الشعب العماني الوفي لسلطانه ودولته ووطنه وإسلامه وعروبته، وحتى يتم قطع الطريق على لوبيات الفساد والانتهازيين والمتربصين شراً بهذا الوطن وقيادته وشعبه.
هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل...