قصة علاوة قيمتها ريال واحد!
الثلاثاء, 12 فبراير/شباط 2013 02:27
جريدة الرؤية
سعيد جداد - أبوعماد -
أروي لكم اليوم قصة خبر طريف عن العلاوة التى نالها شلولخ بعد طول انتظار، وقد التقت وجهة نظره مع وجهة نظر صديقه الحشاش ليقصها عليَّ، ورأيتُ حتى تعمَّ الفائدة أن أقصها عليكم؛ فظني أنها ستخدم الأجيال القادمة، وتعرِّفهم قيمة الريال ومكانته ومقداره، وأثره في النهضة الاقتصادية ورفاهية الشعب، و"بحبوحة" العيش الرغيد، وستدفع الموظفين إلى بذل مزيدٍ من العطاء والإخلاص للوطن.
.. قال شلولخ: الحقيقة قبل أن يُضاف الريال إلى الراتب كعلاوة، لم أكن مشتاقاً، ولا عندي لوعة، ولم أكن أتردد على الإدارة، ولا أسأل عن الترقيات ولا العلاوات التى لطالما سمعنا جعجعتها وطال أمد طحينها، حتى اتصل بي صديقي سعفان، وأقسم بالقبة والسلسلة وقبر ابن علي وابن عربية والسيد البدوي، أن الوزارة أفرجت عن الترقيات، وأنه رأى بأم عينيه اللتي سيأكلها دود مقبرة الزواية، قرار ترقيتي، والعلاوات المنصوص عليها في القرار.. حمدت الله وصليت على النبي، ولبست الدشداشة والعمامة، وكلفت شندرا بقرار رسمي أن يذبح "ديكًا" على دَرَج البيت للبركة، ويدعو لى. وبشَّرت العيال بأن الغداء تيس أملح من مطبخ ابن مخزوم؛ بمناسبة العلاوة الجديدة.
.. انتظرت حتى بلغت الشمس مقدار رُمح، واقترب وقت الدوام الرسمي، وأنا أعلل نفسي بصوت سيدة الغناء العربي، وهي تشدو برائعة المرحوم الهادى آدم "أغدًا ألقاك".. وأرددُ معها:
((أغدًا ألقاك.. يا خوف فؤادي من غدٍ
يالشوقى واحتراقي في انتظار الموعد
آآآه.. كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابًا
كنتُ أستدنيه لكن هبته لما أهابا
وأهلت فرحة القرب به حين استجابا
هكذا احتمل العمر نعيمًا وعذابًا
مُهجة حارة.. وقلبا مسَّه الشوق فذابا))
طبعا الهادى آدم -رحمه الله- كان يقصد حبيبته، وأما أنا فكنت أقصد العلاوة، وكلٌّ يُغنى على ليلاه.
.. توافد الموظفون على الإدارة، وعيني ترقب الموظف المختص، وحينما ركن سيارته في موقف السيارات، أقبلت إليه مُصبِّحًا مُبتسمًا، فقرأ ما في عيني بفطرة الخبير. وقال: "طِبْ نفسًا، وأبشر بما يسرك". وقبل أن أسأله عن العلاوة، طبطب على كتفي، ودعاني للدخول معه، وسلَّمنى القرار مختومًا. طويته في جيبي، وتركته مختومًا دون أن أطلع عليه. أحببت أن أمارس على نفسي لعبة التشويق لمعرفة السر الدفين.. وقررت أن تكون ساعة الصفر بعد الغداء.
في طريق العودة، عرَّجت على الشرطة، وسحبت فواتير المخالفات، ثم الماء والكهرباء، وسحبت الفاتورة بكامل المبلغ، ثم عرَّجت على عُمانتل وسحبت فاتورة الهاتف المقطوع وكل المتأخرات، وأخيرا بشَّرت "بابو" بسداد كل الدين والمتأخرات، وطلبت منه إعداد خمسة كيلو جرامات بندورة، وخمسة كيلوات موز، وكرتون تفاح، وكرتون برتقال أبو صرة؛ استعدادًا للاحتفال بالعلاوة.
.. كان الحشاش -سامحه الله- يرصد تحركاتي منذ أن سمع بقرار العلاوات، فكشف سر التيس الأملح قبل أن يسلخ ابن مخزوم جلده. ودعا نفسه وأولاده والجيران على الغداء. حينما وصلت البيت كانت رائحة خفيَّة تعطر أرجاء المنزل، فأدركت أنها نابعة من خفي الحشاش، فأدركت أنه قد أحيط علمًا بالعلاوة.. سلمت أمرى لله، لكن المفأجاة كانت كبيرة ومذهلة (الحشاش وأولادة والجيران)، كلهم بـ"رابطة المعلم" يترقبون التيس الأملح، وجدتُ نفسي فجأة بين قومٍ يكبِّرون الله ويهللون؛ كأنهم في يوم العيد الأكبر، ثم انهالوا عليَّ تسليمًا وتقبيلًا وتبريكًا بالعلاوة، كانت بينهم عجوزٌ شمطاء اقتربتْ مني؛ وقالت لى -والابتسامة تعلو محيَّاها: "مبروك يا ابني، صبرت ونُلت"!!. جرجرت الحشاش من قفاه، وقلت له: لو أدركت عصر (جميل بن معمر الجمحي) لما سمع به أحد". وجميل بن معمر الجمحي هذا لمَ لا يعرفه هو أنقل قريش للحديث. يعني شبيه بوكالة رويترز في زماننا.
.. بالكاد وضعت التيس -يحفه القبولي والشتني الحار- بين أيديهم، حتى انكبوا عليه كأن بينهم وبينه ثأر، مددتُ يدي في خضم المعركة وبدعاء الوالدين وحسن النية ظفرت بقطعة من كبده، وقبل أن ينتزعها منى أحدهم، قذفتها على عجلٍ في ظلمات بعضها فوق بعض.
وبعد الغداء والتحلية بالفواكه الطازجة، غادر الجيران وهم يهللون ويكبِّرون، وبقي الحشاش ينتظر معرفة مقدار العلاوة، ومصرًّا على أن يُشاركني فتح الظرف المختوم. صليْنا على النبي، وجلسنا القرفصاء، ثم "استهمْنا" أيُّنا يفتح الظرف، ومن سوء الحظ وقع على الحشاش. دفعني بكلتا يديه على صدري، وقال -على طريقة يونس شلبي- "ابعد.. ابعد"!!
وحينما فتح الظرف، بدت عليه آثار الدهشة والاستغراب، وبدأ يحوقل ويسترجع، ثم نظر إليَّ، وفغر فاه، ووضع يده على قلبه، وقال: "لن تصدق؟!!!!!".
قلت: "كم العلاوة؟؟؟؟؟".
قال: "لن تصدق!!!".
قلت: "يا أخي، أنا لست ابن الساحل، أنا سعيد جدَّاد.. والله سأصدق. كم العلاوة؟؟".
قال: ذبحت تيسًا وديكًا، وطُفت سبعة أشواط على شركة الماء والكهرباء وبابو ومخالفات الشرطة، وعلاوتك ريال... يا عيب الشوم عليك ياراجل!! ياعيب الشوم عليك!!".
أخذت منه القرار غير مصدِّق ما سمعته.. معقولة (ريال واحد بس)؟!!".
كانت تلك هى "علاوة الماء" ترقَّت من 5 ريالات بعد انتظار 5 سنوات لتصبح 6 ريالات.
..... طبعا ينطبق هذا عليَّ وعلى غيري.
ولكم طبعًا أن تتصوَّروا أسرة مكوَّنة من سبعة أشخاص أو أكثر تبلغ علاوة الماء التى يحصلون عليها بعد انتظار خمس سنوات (ريال واحد فقط) "قطع الريال كل لسان، ولم يبقَ لعاذل قول".
.. رفض صديقي الحشاش أن ينتظر حتى يشرب كأس الشاى، وأقسم بالقبة والسلسة لولا الحياء لرجَّع لحم التيس والقبولي الذي "طفحه" على الغداء، ثم نظر إليَّ شزرا.. وقال: "روح روح.. مزِّق فواتير الماء والكهرباء اللى جمعتها، ومارس من جديد سياسة النصب والتحايل على "بابو"، واحتفل مع أولادك بالريال. ولا تنسى أن تكتب هذه القصة الجميلة حتى تستفيد منها الأجيال القادمة، وإخوانك الموظفين".