الأحد، 3 فبراير 2013

بدر العبري / الصلاح والإصلاح منهج الأنبياء




  • الصلاح والإصلاح منهج الأنبياء
    إنّ منهج الإصلاح في الأرض هو منهج أنبيائنا ... وهم تربية الله وصنعه، زالذين قال فيهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ
    فهذا نوح عليه السلام ضحى عمره مصلحا صالحا، تعرض للسب والشتم، والسخرية والاستهزاء، وأوذي في نفسه وأهله، لأنه نادى بالإصلاح في قومه: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ
    ولننظر إلى نبينا هود عليه السلام، نادى بالإصلاح في الأرض، فنادى بإصلاح الموارد البشرية، وتحقيق العدالة بين الناس، وأن الجسم نعمة من نعم الله، لا يُسخر في التكبر على الناس، والتعالي عليهم، وأكل حقوقهم، أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ – أي ليصلحكم - وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
    وأنعم ثم أنعم بنبينا صالح عليه السلام، الإصلاح عنوان مشع من اسمه، كان صالحا مصلحا في دنياه، وفي الآخرة من الصالحين، نادى بالإصلاح العمراني، فحق الإنسان أن يكو له بيت يهنأ فيه، ومن حق الأطفال أن يستقروا في بيوت طيبة يلعبون فيها ويمرحون، شأنهم كشأن غيرهم من أبناء البلد الواحد، فلم يحرم العديد من الناس من حق السكنى، فيقطنون في بيوت رثة، أو يشتتون من مكان لآخر، أو يعيشون أوهام الديون والبنوك، ويهنأ القليل بالبيوت والقصور، فقال مذكرا لهم: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
    ويا لجلالة الموقف، ويا لعظمة المقال، عندما نقف مع أبي المصلحين، وقدوة الصالحين، صاحب العقل الاقتصادي، والمنادي بالعدالة المالية، والمحارب للفساد المالي، أتدرون من هو، إنه نبينا شعب، صلوا – صلى الله عليه وسلم -، نادى بالإصلاح الاقتصادي، ونهى عن الغش وأكل مال الناس، وأمر بالشفافية في توزيع الثروة، فالمال حق للجميع، فلا بد من المراقبة في توزيعه واستثماره، ليهنأ الكل، وينعم الجميع، فقال قولته المشهورة: قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
    وهذا نبينا موسى عليه السلام، صاحب العدالة الاجتماعية، الصابر الصامد، المصلح المخلص، أنظروا بماذا أوصى أخاه هارون عليه السلام عندما أراد أن يتفرغ لعبادة ربه أربعين ليلة، هارون وما أدراكم ما هارون، هارون النبي العظيم، أيعقل أن يفسد ويظلم، ويتكبر ويتعالى، وهو يتربع على عرش بني إسرائيل ومن تحت لوائهم، نيابة عن أخيه موسى، فانظروا بماذا أوصاه النبي موسى: وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ.
    فيا لله لأنبياء الله، أفنوا أعمارهم من أجل الصلاح والإصلاح، وباعوا أرواحهم فداء لرضوان الله، فزكريا وابنه يحيى استشهدا في سبيل الإصلاح، وخليفهم عيسى ابن مريم كاد أن يصلب ويقتل لولا أن نجاه الله تعالى، كلّ ذلك وقوفا مع دعوة الإصلاح في الأرض.
    وهذا نبيكم الخاتم – صلى الله عليه وسلم -، لله ما عانى هذا النبي، ولله ما جاهد وصبر، فكم أوذي في نفسه وأهله، وكم لوحق في أصحابه وأحبابه، فلولاه لعبدنا غير الله، وسجدنا وخضعنا لغيره سبحانه، كان نبراسا للإصلاح الشامل أخلاقيا وسياسيا، واقتصاديا واجتماعيا، وهو الذي رباه ربه: لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.
    هؤلاء أنبياء الله عاشوا حياتهم صالحين مصلحين، ضحوا بأنفسهم وأموالهم شراء لجنة الخير والصلاح، أعدت لكل مصلح صالح: وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.
    فليهنأ كل من اقتدى بأنبياء الله ... هنيئا لك مصلح الرضا الرباني ... هنيئا لهؤلاء جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر ...
    اللهم خذ بأيدينا إلى مَرَاتِعِ الصَّلاح، ووفِّقنا لسلوك سبيل الإصلاح، واحشرنا في زمرة أهل الخير والفلاح، والحمد لك ربي حمدا حمدا حمدا ما طال ليل ولاح.