و لنعد الآن للحديث عن أصول و خلفيات " المؤامرة الحقيقية الكبرى على العالم العربي " ، حيث تؤكد المصادر التاريخية *(( بأنه في عام 1905 دعا حزب المحافظين البريطاني سرّاً إلى عقد مؤتمر يهدف إلى إعداد إستراتيجية أوروبية ، لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم ، وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن . و قد دعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية يومها كافة وهي: - بريطانيا و فرنسا و هولندا و بلجيكا و إسبانيا و إيطاليا والبرتغال .
و قد شارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الإستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد، إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار .
و لقد افتتح "كامبل" المؤتمر بكلمة مطولة جاء فيها : " إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حدٍّ ما ، ثم تنحل رويداً رويداً ، ثم تزول ؛ والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات ، وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة ، فهناك إمبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين ، وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيرهم . فهل لديكم وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره ، أو تؤخر مصيره ؟ وقد بلغ الآن الذروة ، وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها ، بينما لا يزال العالم الآخر ، في شرخ شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية . هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا ))
وفي نهاية المؤتمر ، خرجوا بوثيقة سرية سموها " وثيقة كامبل" توصل فيها المجتمعون إلى نتيجة مفادها:- (( إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار ! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب ، والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات ، والإشكالية في هذا الشريان ، أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ و الدين و اللسان"
و كان أبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر الذي استمر لمدة عامين ( 1905- 1907 ) ما يلي:
1- إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة.
2- محاربة أي توجه وحدوي فيها .
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادِ ، يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي ، و يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ، ألا وهي دولة إسرائيل .
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث مساحات هي :-
المساحة الأولى : تتكون من الوحدات التي تقع في المنظومة المسيحية الغربية، وتقرر الوثيقة ألا تكون السيادة على العالم خارج إطارها. فإذا كانت أي حضارة ، لا شك ، ستنتهي - بحسب نظرة فلسفة التاريخ – فإنها يجب أن تضمن أن وريث هذه الحضارة يجب أن يكون من نفس هذه المساحة ومن جوهر المنظومة الغربية.
المساحة الثانية : وهي الحضارة الصفراء التي لا تتناقض مع الحضارة الغربية من الناحية القيمية ، لكنها قد تختلف معها في حساب المصالح. وهذه الحضارة يمكن التعامل والتعاطي معها تجارياً ، ويمكن غزوها ثقافياً ، لهشاشة منظوماتها القيمية .
أما المساحة الثالثة : فهي البقعة أو الحضارة الخضراء ؛ فهذه المساحة من الأرض، تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية ، صارعتها في مناطق كثيرة ، وأخرجتها من مناطق كثيرة ، ومن واجب الحضارة الغربية المسيحية أخذ احتياطاتها وإجراءاتها لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها ، لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي . و بالتالي رأت هذه الوثيقة اتخاذ أربعة إجراءات رئيسية مع هذه المساحة الثالثة (الحضارة التي تتناقض مع الغرب ، و على رأسها العرب ، هي :
أولاً: حرمان دول المساحة الخضراء من المعرفة والتقنية ، أو ضبط حدود المعرفة عندها .
ثانياً: إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.
ثالثاً: تكوين أو دعم الأقليات ، بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول، ويظل مرهوناً بالمحيط الخارجي
رابعاً: العمل على استمرار تأخر المنطقة وتجزئتها إلى دول متناحرة .
و بالمقابل خرجت تلك الوثيقة بثلاثة قوانين جائرة، تضمن للدول الاستعمارية استمرار بقائها و هيمنتها على العالم ، و تلك القوانين هي :
. - قانون التفوق ؛ وهو ما كرسته العنصرية بتقسيم البشر وتصنيفهم إلى سادة وعبيد، وأن الجنس الأبيض الذي يشكل السادة ، حمله الله عبء الرسالة الحضارية.
2. - قانون المصلحة ، ويعني أنه ليس هناك من ثوابت قيمية ، وإنما هناك مصالح ثابتة ، فما يخدم الاستعمار في لحظة يجب التمسك به ، وإذا تعارض مع المصلحة في لحظة أخرى وجب تركه).و هذا ما يفسر تلون و تقلب مواقف الدول الاستعمارية و تحولها الأكروباتي من طرف لطرف آخر في أي نزاع جماهيري ينشب بأي بلد من بلدان العالم )
3. - قانون السيطرة ، ويعني التحكم وفرض الإرادة بما يخدم المصلحة. و قد انعكست هذه القوانين على الشرق استعماراً وحشياً مقيتا ، لأن الشرق في حكم الغرب ، ينتمي إلى عرق محكوم ، لذلك ينبغي له أن يُحكم "
فكانت اتفاقية سايكس بيكو 1916 (التي تقاسمت بموجبها بريطانيا و فرنسا التركة العثمانية في العالم العربي بمباركة روسية ) ، و وعد بلفور 2/11/1917 (الذي بموجبه أعطت بريطانيا فلسطين لليهود ) أول التطبيقات العملية لوثيقة كامبل في العالم العربي .
لكن أخطر ما تداوله مؤتمر كامبل ، كان مفهوم الوعي النقدي كامتداد لحقل المعرفة ؛ هذا المفهوم الذي جاء في حقل فلسفة التاريخ على شكل رؤية لبناء المجتمعات ونمو الحياة البشرية ، أخذ بها هيجل1770م – 1831م ؛ وتتلخص في أن كل المجتمعات تحتاج إلى أن تجدد أفكارها ، وأن تجدد الأفكار يحتاج إلى حرّية واسعة يستطيع فيها الفكر أن يمارس دوره في تطوير المجتمعات من خلال الأفكار المتناقضة ، فصراع الأفكار هو الذي يولد الأفكار الجديدة ويحقق نمو الحياة البشرية.... هذا المفهوم ، أقر المجتمعون بأن يسمح بتداوله في المجتمعات الغربية ؛ لكنه خط أحمر ومحرم على المجتمعات الأخرى في الشرق ، لاسيما شرقنا العربي والإسلامي(( **
______________________________
المصادر :-
(** )الدكتور حسين عمر توقه باحث في الدراسات الاستراتيجية و الأمن القومي
"حتي نفهم ما هي (إسرائيل) وثيقة كامبل السرية..... و تفتيت الوطن العربي"
______________________________
(د.سلطان الجاسم فلسفة التاريخ ص62(.".
_
"". د.فايز عز الدين شؤون سياسية دمشق 4/10/2007
• نشرت في مجلة "البحث التاريخي" التي تصدرها الجمعية التاريخية السورية
العدد رقم 10 لعام2008. "
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
تابع لمقال نظرية المؤامرة ، لكاتبه صاحب الصفحة زهران الصارمي