اوضح عرض الميزانية عام 2013م، وكذا ايرادات وانفاق عام 2012م، العديد من الجوانب الاقتصادية الايجابية، بالإضافة الى بعض الملاحظات الهامة التي نود الاشارة اليها هنا، فبالنسبة لعام 2012م، ونظرا لثبات اسعار النفط عند متوسط 109 دولار، حققت الميزانية معدلات انفاق عالية وصلت الى 13مليار ريال (الانفاق التقديري للموازنة كان 10 مليار ريال)، وهو اكبر بكثير من المقدر انفاقه خلال نفس السنة، الا ان الايرادات وصلت الى 14 مليار دولار، وحققت فائض قدره مليار ريال عماني، اشير الى انه سيتم صرفة في تغطية عجز ميزانية 2013م، على اساس سعر النفط المقدر لعام 2012م وهو 75 دولار وكمية النفط 915 الف برميل يوميا وبنسبة اعتماد على قطاعي النفط والغاز تصل الى 81%.
موازنة عام 2013م، قدرت سعر النفط ب 85 دولار وكمية الانتاج 930 الف برميل يوميا، واجمالي ايرادات 11,2 مليار، 84% منها من قطاع النفط والغاز، بينما قدرت الايرادات غير النفطية ب 1,8 مليار ريال (16% من الايرادات)، ستتوجه المصروفات الى الدفاع والامن بنسبة تصل الى 27,9% (3,6 مليار دولار)، والمصروفات الخاصة بالاستثمار 3,1 مليار دولار (24%)، بينما يحظى التعليم بنسبة 10,1% من المصروفات (1,3 مليار ريال)، والصحة 4,2% (547 مليون ريال).
كما اوضح البيان الخاص بعرض الميزانية، عن بعض النقاط الهامة ومنها انشاء العديد من مشاريع البنية التحتية وخاصة طريق دبا ليما خصب، وانشاء مجمع عمان الثقافي، وارتفاع معدل الودائع الى 14 مليار ريال، ومراجعة ورفع اسعار بيع الغاز عن القيمة الحالية بمعدل نصف دولار سنويا.
وهنا وبعد العرض الموجز لملامح ميزانية عام 2013م، نود الاشارة الى النقاط التالية:
• وضع الميزانية السنوية اعتمد على الخطة الخمسية 2011-2015، والتي تعتمد على المقترحات التي قدمتها كل جهة رسمية واحتياجاتها من المشاريع والمصروفات الجارية والاستثمارية، وهي من المفترض ان تقوم على استراتيجية بعيدة المدى للجهة او المؤسسة الرسمية التي طلبت تلك الاعتمادات او تتوافق مع الرؤية المستقبلية 2020، ولكن الواقع يؤكد ان كثير من الجهات التي طلبت تلك الموازنات، لا توجد لديها استراتيجية للعمل بعيدة الامد، كما انها غير ملتزمة اطلاقا برؤية 2020، والتي خرجت في معظمها عن المسارات التي وضعت لها، مما يتطلب اعادة النظر في احتياجات وتوجهات المؤسسات والجهات الرسمية، لتنصب جميعها في الرؤية والاستراتيجية الكلية للبلاد بشكل عام وخطة واستراتيجية متكاملة لكل جهة على حدة، تتوافق مع الرؤية والاستراتيجية الكلية، وهذا يتطلب من المجلس الاعلى للتخطيط القيام به بالتنسيق مع الجهات المختصة الاخرى مثل وزارة المالية والوزارات المعنية، وقد يكون وضع هذه الاستراتيجية بعد انتهاء خطة 2011-2015، مناسبا، والتي تحتاج الى جهد كبير وشامل ومتخصص لاعدادها، كما يتطلب وضع رؤية واقعية طموحة تمتد من 2016-2036.
• تركيز الميزانية على الجوانب الامنية والدفاعية بنسبة عالية جدا (27,9%)، تفوق المعدلات الدولية والتي تكون في حدود 10%، يضعف من نسب المجالات الهامة الاخرى، فمثلا نسبة التعليم من المصروفات 10% والصحة 4,2%، وهي نسب منخفضة (مجموعها 14,3%)، وهي اقل بكثير من المتوسط للدول المتقدمة والذي يصل الى 25%، لذا فمن الضروري تخفيض موازنة الامن والدفاع واعطاء الاولوية للتعليم والصحة، وذلك بعدم التركيز على الكم من حيث عدد المدارس والطلبة وطلبة الجامعات والمرافق الصحية فقط، بل يحتاج الى بذل مزيد من الامكانات المادية والجهد في سبيل تجويد نوعية التعليم العام والعالي وتجويد نوعية الخدمات الصحية كذلك.
• كما ان مشروع انشاء مجمع ثقافي بمبلغ وقدرة 78 مليون ريال، مشروع حيوي ومهم وضروري، لدعم الوعي والثقافة، كما ان انشاء متحف بحري، ايضا يصب في اتجاه الحفاظ على الارث والتاريخ العريق للبلاد، ونتمنى ان تعمم هذه المشاريع، لتشمل المجمعات الثقافية جميع محافظات السلطنة، كما تشمل المتاحف المتخصصة ارجاء اخرى من الوطن، لتوعية وتعريف الاجيال الحالية والقادمة بالآثار الحضارية للبلاد وتاريخها المجيد.
• ما زال الاهتمام بتنويع مصادر الدخل من خلال تخفيف الاعتماد على النفط والغاز، وفتح افاق اخرى للاستثمار والدخل، هاجس يؤرق الجميع، نظرا لاستمرار الاعتماد الكبير على النفط والغاز (84% من الايرادات الحكومية)، بينما كان الاعتماد على النفط والغاز لعام 2012م اقل من هذا العام (2013م) وكان بنسبة 81%، لذا فان ايجاد بدائل فعلية فاعلة امرا ضروريا وهاما، نظرا لقلة مخزون النفط والغاز في السلطنة وتقلب اسعار هذه المنتجات في الاسواق، لذا فان تطوير التصنيع بشتى مجالاته، وتشجيع اصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة لمزيد من الانتاج ومراجعة جميع قوانين الخاصة بالاستثمار وتشجيع الاستثمار المحلي والاجنبي، وتطوير وتشجيع السياحة وتحقيق والاستثمار في تحقيق الامن الغذائي والمائي من خلال تطوير الانتاج الزراعي والسمكي وحفظ الثروة المائية، سيساهم بشكل فاعل في تقليل الاعتماد على النفط والغاز، بحيث يصاحب ذلك خطة عملية واضحة للسير العملي والجدي في تنويع مصادر الدخل.
• مجلس البحث العلمي، حظي بمبلغ 3 مليون من موازنة 2013م، وهو مبلغ محدود جدا، مقارنة بالطموحات الكبيرة لتفعيل دور البحث العلمي وتشجيعه، للقيام بدورة في الابداع والتطوير، كما ان ميزانية التعليم العالي (60 مليون ريال)، والتي لم تتغير عن العام السابق، تحتاج الى رفع الى معدلات اعلى بكثير، وذلك لتغطية الفجوة الكبيرة من الاحتياجات التعليمية المتنوعة والكثيرة، في التخصصات الدقيقة وفي مجالات عديدة مثل الطب والتدريس في الجامعات والخبراء في شتى المجالات والمستشارين وغيرهم.
• مساهمات السلطنة في المؤسسات خاصة الاقليمية والدولية (395 مليون ريال مجموع المساهمات لعام 2013م)، كبيرة جدا، مقارنة بما تجنيه السلطنة من تلك المؤسسات، سواء على مستوى المعلومات والخبرات والتدريب وغيرها، او حتى تواجد العمانيين كخبراء او موظفين فيها، لذا فنحن نحتاج الى تقييم مدى الاستفادة من تلك المؤسسات ومقارنتها بالمصروفات الهائلة التي تصرف عليها.
• كما اننا نحتاج الى اعادة النظر في المصروفات الجارية للجهات الحكومية (عدا الامن والدفاع) والتي قدرت ب 4 مليار، واعادة هيكلة تلك المصروفات بما يتناسب مع الاحتياجات الفعلية المستقبلية، واعطاء اهمية قصوى للتعليم والصحة من حيث الكم والكيف في توزيع المصروفات، والتقليل من مصروفات الجهات الحكومية الخدمية المحدودة الانتاج.
• مراجعة بيع الاسمدة والغاز، بما يتوافق والاسعار العالمية الفعلية لهذه السلع، سيرفع ايرادات البلاد، وسيساهم في تغطية كثير المصاريف للاحتياجات الفعلية في شتى المجالات كالتصنيع والاستثمار والتدريب والتوظيف وغيرها.
• اعادة النظر في اسعار الخدمات كالكهرباء والمياه والغاز وغيرها، وتحسين دخل الافراد، ومراجعة الضرائب المختلفة، خاصة في مجال الانتاج والمشروعات الصغيرة، نظرا لغلاء المعيشة وزيادة التضخم وزيادة الالتزامات والاحتياجات الاسرية، وذلك يتطلب رفع المخصصات المالية للموظفين وتخفيض قيمة الخدمات والضرائب.
وبشكل عام، نقترح اعادة صياغة الميزانية العامة للدولة، بما يتناسب مع التطورات الكثيرة والمتلاحقة في شتى المجالات، وفق استراتيجية ورؤية جديدة طويلة الامد، واعطاء الاولوية للتطوير النوعي، وخاصة في مجال تطوير الخدمات التعليمية والصحية، وتحقيق تنوع حقيقي لمصادر الدخل من خلال تشجيع التصنيع والاستثمار المحلي والخارجي وتيسير كل السبل من اجل احداث ثورة حقيقية في هذه المجالات، وتطوير السياحة والانتاج الزراعي والسمكي، وتشجيع البحث العلمي والابتكارات والابداعات، وتأسيس مراكز ثقافية وعلمية ومراكز بحوث تخصصية متقدمة وجامعات، مع مراعاة تحسين الدخل وتقليل قيمة الخدمات والضرائب، والله الموفق لما فيه خير البلاد وتقدمها ورخائها.