الأحد، 20 يناير 2013

علي المعمري.. رحيل فاجع يدمي العمق..








*طالب المعمري: جرح مشترك.. بين دمين، دم القرابة ودم الكتابة.
* ناصر المنجي : إن كان بين العبقرية والجنون شعرة فان تلك الشعرة هي علي.
* خليفة العبري: أظناه الترحال ،أراد أن يحط الرحال بصورة نهائية غير قابلة للنقاش.

إعداد ــ بدرية الوهيبي:

لا يذكر السرد إلا وذكر علي بن هلال المعمري ، الذي يعتبر مجددا في السياق السردي متخذا من نشأته العمانية وذكرياته وبين حياته في بلدان مختلفة أي بين الأصالة والحداثة مايشبه عوالم وآفاق أكثر عمقا ورؤى وأرحب فضاء .
رحل علي المعمري عصر أمس الاول في مستشفى السلطاني إثر أزمة صحية أقعدته طويلا على أسرة العلاج بين السلطنة والخارج توفي بعد معاناة بعد ان اجريت له عملية فتح الشرايين في الخارج ووري الثرى في ولايته صحم ، رحل كالصدمة عن عالمنا ومازال الوسط الثقافي بين مصدق وغير راغب في التصديق لأنه يعتبر عصباً مهماً في جسد الرواية العمانية خسارته تصيب هذا الجسد في العمق ..(رحمه الله )
ولد علي المعمري في عام 1958م ، وكانت بداياته مع القصة القصيرة حيث أصدر مجموعات قصصية وهي حسب التسلسل الزمني :
"أايام الرعود عش رجبا"، عام 1992م، و"مفاجأة الأحبة" عام 1993م، و" رجوع وقصص أخرى "عام 1994و"سفينة الخريف الخلاسية" عام 1995م، و"أسفار دملج الوهم" عام 1997 م.

أما روايته الأولى "فضاءات الرغبة الاخيرة" 1999 الصادرة عن دار شرقيات كان فيها مشتغلا على القالب الشعري والسردي " كما تجسد الرواية هذه في الآن ذاته، رحل الكاتب عبر فضاءات مكانية عديدة، تنعكس شموسها في وجوه الشخوص وألسنتهم... عبر 15 فصلا " استطاع المعمري ان يحفر لاسمه مكانا في خارطة الرواية العربية، بعدها أصدر علي المعمري روايته الثانية (رابية الخطار ) عام 2003 عن دار أسفار بالقاهرة والتي كتب عنها السيد رشاد قائلا :(عبر رؤية سردية شديدة الخصوصية, تتجاوز القالب السردي التقليدي إلى حد المغامرة, يقدم لنا الروائي العماني علي المعمري في روايته الجديدة رابية الخطار مشهدا روائيا موشياً بأصداف هذا المزيج المتفرد لهويتنا وطقوسنا, الأمر الذي يشكل خطوة مهمة نحو استرداد ذاتنا الحقيقية من ناحية والأهم إعادة اكتشافها, من خلال قراءة ما وراء سطوره)
بعد ذلك جاءت روايته الثالثة والتي حظت باهتمام واسع غير مسبوق في عالم الرواية العمانية ( همس الجسور) تتكوَّن الرِّواية من 14 فصلاً صدَّرها الكاتب بالمثل الظفاري التالي: "راح زمان هو وناسـه وجانا زمان هو وفاسـه". والرواية مهداة إلى القاص أحمد الزبيدي، وتدور أحداثها في أماكن عدَّة تبرز من بينها مدينة اسطنبول التركية، وبيروت، وكوبا، و السلطنة. وتتعدَّد شخصيَّات الرواية وجنسيَّاتها عبر سرد يمزج بين السيرة الذاتية والحدث الموجَّه نحو حبكات وغايات .
وقد ترجمت هذه الرواية مؤخرا الى الفرنسية من بين سبع روايات عمانية رشحتها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء للترجمة ضمن مشروع الاتحاد لترجمة 105 روايات عربية إلى عدد من اللغات العالمية .

أما روايته (بن سولع ) الصادرة عن دار "شرقيات" في القاهرة تعتبر الإصدار الثامن للكاتب بعد أربع مجموعات قصصية وثلاث روايات.
صدرت هذه الرواية بعد صدور رواية المعمري الثالثة "همس الجسور" بثلاث سنوات، وهي فترة زمنية أطول من الفترات الزمنية الفاصلة بين أي كتاب وآخر أصدره الكاتب سابقًا .
فازت هذه الرواية بجائزة أفضل رواية عمانية لعام 2011 في مسابقة جمعية الكتاب والأدباء فقد عزتْه لجنة التحكيم إلى "تنوّع أنماط السرد ومظاهره فيها، ونضج الأحداث وتوضّح معالم السرد وقدرة الكاتب على تصريف اللّغة السرديّة قولا وحالا وفعلا، وتمكّنه من الأحداث يبذرها متى أراد ويُجمّعها متى اقتضى منه الأمر ذلك"، ونظرا أيضا إلى "نجاحه في رسم فضاء سردي جامع بين وقْع الذات، والوقع الاجتماعي والتاريخي، وإثارته لتاريخ حارق، تحوّل بقدرة الراوي سردا متخيّلا، يُحيل - ضرورةً - إلى وقائع التاريخ، ووقائع الذات، ولا يُحيل في جوهر السرد إلاّ إلى متخيَّل قصصيّ" .

وتقوم حاليا جمعية الكتاب والأدباء بترجمة الرواية ضمن عشر روايات عمانية الى اللغة الانجليزية بالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء العرب ..
* شهادات في تجربته وشخصه
في يونيو 2010 قامت الزمن في سابقة صحفية انسانية بعمل ملف لأولئك البعيدين جغرافيا عنا ولأولئك الذي فضلوا ان يكونو بعيدين ضوئيا ، كان لعلي المعمري ملفا في ذلك اليوم تحدث خلاله القريبون من الراحل والأصدقاء الذين وجدوا نافذة ليقولوا له انك الأجدر ..
منهم كان الشاعر طالب المعمري الذي كتب له شهادة بعنوان (تحية – لقلب – علي المعمري) قال فيها : (عندما تكتب عن شخص تعرفه، وقريبه (أيضاً) تصبح شهادتك- مجروحة- لكن، هذا الجرح يعرفُه كمن عَرِف (اللصقة بالجرح).
ويضيف المعمري في تحيته أو شهادته ( تقديم شهادة إلى علي المعمري.. بالنسبة ليّ مهمة ليس كوني أخوه.. فالعلاقة الإبداعية فضاؤها أكثر اتساعاً ورحابة، هكذا تصبح الأخوة المعرفية أن ترتفع بالدم القريب إلى أشكال وعلائق ذات تقاطعات مغايرة عن السائد والمتعارف لتصبح معها الكتابة – جرح مشترك – بين دمين، دم القرابة ودم الكتابة.
أن أكتب عن علي المعمري.. مهم، ليس كما ذكرت فقط ، فهو حاضر في المشهد الثقافي العُماني منذ وقت مبكر، منذ قبل نهاية سبعينيات القرن الفائت بحضوره الفيزيقي (الجسدي) وحضوره بالمشاغبات الإبداعية والتمرينات الكتابية، أكتب عن علي لأنه:
أولاً: صديق رفقته الكتاب.
ثانياً: المغامرة وحب السفر والمعرفة.
ثالثاً: انه يفيض بحبه على الآخرين (وهذا، ما كنت أنبهه إليه.. بأن ينتبه لنفسه).
رابعاً: انه خارج السرب، بمعناه التقليدي.. وبهذا فـ علي هنا ينفرد عن الكثيرين أو يتفرد بحالته الخاصة.
من هذه النقطة يشكّل علي المعمري.. بخروجه الشكلي والموضوعي، وبأجنحته الحقيقية والمتخيلة- عالماً بذاته- انه عالم علي المعمري فقط.. عالم: علي المعمري.. الحياتي والكتابي، بحيث يصعب في كثير من الأحيان التفريق بينهما.
فروحه المرحة وبهجته بالحياة وبالآخرين تنسيه ما يجب أن يكون هو نفسه عليه.. لهذا وهب جزءاًُ كبيراً من حياته للمعرفة وللصداقات، وأفضت به في النهاية موظفاً متقاعداً براتب ألف دولار أمريكي.
هل، يتذكر طلبة جامعة السلطان قابوس علي المعمري – خصوصاً- منهم الدفعات الأولى: مكتبه، كتبه، سجائره، قهوته، مرحه، فوضاه وقهقهاته في الممرات الطويلة وفي مكتبه الذي يشبه "الكبسولة".
يا لها من لحظات زمنية.. طلبة وطالبات .. موظفون وأساتذة، معرفة تتجدد بروح وودّ، إنها براءات المعرفة الأولى والجامعة ترتفع جدرانها نحو الأعلى بالتدرج.
فالحياة بالنسبة له مفتوحة على أفق أرحب مما قد نتصور، تتسع للجميع ولا تضيق بأحد.
فالحياة والكتابة عنده متجاورتين حدّ الالتصاق كأنهما معاً في درب واحد يسيران. وهنا، من الصعب، فرز الواحدة عن الأخرى.
الحياة عنده كتابة (ولو بأي مستوىً وشكل) والكتابة عنده حياة (ولو بأي مستوىً وشكل). لهذا، فالكتابة لديّه جزء من ماء حياته أو – ربما- غيض من فيض فوضاه وتحليقاته وأحلامه... ألخ.
فالحياة عنده ممزوجة بكل التباسات الكتابة، والكتابة معايشة لحياته لصيقة بها، وهذا مما أفضى به إلى أنه لم يستطع أن يرى حياته بمعزل عن كتابته أو أن كتابته بمعزل عن حياته.. هناك- ثمة- مجال مغناطيسي جاذب وقوي يصعب الفصل بينهما.. وهذا التداخل جعلني لا أتفق معه في نواح من حياته وكتاباته خصوصاً.
فمغامرات علي المعمري في الحياة قادتني لأن أذهب لأول مرة في حياتي إلى السينما (عام 1970) وعرفتني قراءته و"كاسيتاته" إلى الحياة مبكراً.
علي المعمري.. لديه الرؤية والمادة الروائية ولديه وهذا هو الأهم متخيلات العمل الروائي ولديه الأهم والأهم الحياة والتجربة والمعيش والمعايشة لمثل كتابة رواية. لكن، هناك اشتراطات العمل الإبداعي وانضباطه بأفق الحدود والخروج عن الحدود.
التمرد الحقيقي لهذه الكلمة

كما يقول ناصر المنجي في شهادته -وهو سبب في فتح هذا الملف لعلي المعمري – (كنا طلاباً ومجانين ، حاملين كلماتنا الأولى منفتحين على عالم لم نتخيل أنه مخلوق ، عالم الكتابة ، وفي تلك الفترة كان على كل فرد منا أن يصطدم بوجه مختلف عن بقية الوجوه في الجامعة ، وجه متمرد ، أو كما يجب على الكاتب أن يكون متمردا ، وجه علي المعمري ، كان يستقبلنا بكتاب نقرأه أو قصة كان قد كتبها مؤخراً ، كنا طلابا وكان مديرا ، يستقبلك بأيام الرعود عش رجباً ، تلك المغامرة الكتابية الأولى والجريئة سردياً في السلطنة ، يستقبلك علي المعمري بسيجارة في مكتبه رغم قرار منع التدخين مفاجئاً أحبته بهذا ، وسنبحر مع جنون علي المعمري في سفينة الخريف الخلاسية وسيهديك بعدها دملج الوهم .

علي المعمري حالة مختلفة في الوسط الثقافي العماني حيث سنرى أن الكتابة هي مرض علي المعمري وهي علاجه أيضاً ، تواق سفرٍ بالكتابة وفي الكتابة ، جواب آفاق زاده الأمل ، تسيل الحكاية من فم علي المعمري قادمة من قارة لتجدها بعد ثوان في قارة أخرى ، ومن القصة إلى الرواية التي أتقنها في لعبته الأخيرة (همس الجسور) .

علي المعمري فوضوي ومجنون لأن الزمن لا يحتمله مبدعاً إلا كذلك ، ولكن ذلك المجنون هو روح الطفل وفوضاه وان كان بين العبقرية والجنون شعرة فإن تلك الشعرة هي علي المعمري .ولك المحبة أبا سيف.

* وشائج العلاقة الأولى
وكذلك كتب القاص خليفة بن سلطان العبري في شهادة بعنوان (بساتين أبي وأعمامي) رباط العلاقة الأولى بيني وبين علي المعمري ، يقول فيها :
بيني وبين الكاتب الجميل علي المعمري حكاية قديمة تعود للعام 1993 عام انطلاق النشر القصصي بالنسبة لي . حينما وجدت عبارة تنثال لحظة الاشتغال على كتابة قصة تحمل عنوان ( العودة) وهي (بساتين أبي وأعمامي ) وذلك بعد مرور اسبوعين من قراءتي لقصة له لم أكملها حين القراءة الأولى. ثم تشاء الصدف أن أعثر على القصة ذاتها واكتشف بعد قراءتها كاملة إن فقرة ( بساتين أبي وأعمامي) تحتويها!.
لا أذكر عنوان قصة علي المعمري الآن بعد مرور كل تلك السنوات التي عبرت بعواصفها وموانئها ونثار أحبارها . لكنها جعلت اسم علي المعمري راسخا في ذاكرتي رغم أنني لم ارتبط بعلاقة مباشرة معه مثلما هي علاقتي بشقيقه الصديق الشاعر الجميل طالب المعمري الذي ظللت اعرف أخباره من خلاله كلما التقي به. فعلمت ذات مصادفة بأنه عاد من أمريكا بعد سنوات من التجارب هناك ليستقر في بلدته التي يحتضنها سهل الباطنة الخصيب . ولحظتها داهمني شعورا بأن هذا الكاتب الجميل أظناه الترحال وأراد أن يحط الرحال بصورة نهائية غير قابلة للنقاش ليعيش هدوءه الخاص متأملا ومبدعا .
وفي اللحظة ذاتها أيضا وأنا واقف أمام طالب المعمري وبعد أن أخبرني بعودة شقيقه المبدع الجميل تذكرت حكاية بساتين أبي وأعمامي !!.)
جريدة الزمن..