tumoor منقول من مدونة
(1)
تشير الساعة
إلى التاسعة صباحا، تجد عشرات الرجال والنساء مواطنون ووافدون يتجهون إلى ذلك
المبنى الذي وقف شامخا لسنين طويلة يدان فيه المتهم بريئا كان أو مذنبا، ذلك
المبنى الكائن في إحدى المناطق الاكثر ازدحاما في الخوير ينتظر الافراج عنه حتى
يكتمل مجمع المحاكم قريبا. إنهم يوقفون سياراتهم فرادا وجماعات متجهون إلى حيث
يقفون مع هذا المتهم أو ذاك. أجساد تتحرك بالدشداشة تارة وبالنطال تارة أخرى.
وكنظام شاهدناه عدة مرات فلا بد أن ترى البشت على ذلك الشخص وتراه البدلة على شخص
آخر قادم من جمهورية مصر العربية أو السودان الشقيق كمحامي يدافع عن حق أو عن باطل.
وكإجراء
احترازي يقيني من نظرات ذلك الشرطي او تلك الشرطية الذان يصران على عدم وجود هاتف
نقال في الجيب أو الحقيبة فقد بادرت بترك هاتفي في سيارتي التي ركنتها بعيدا بسبب
عدم وجود المواقف القريبة من مبنى المحكمة. ما إن طلعت إلى الطابق العلوي إلا
واتفاجأ بعشرات الأشخاص بل ربما المئات ومن كافة الأعمار والجنسيات. وجدت ذلك
المحامي الذي كان ندي منذ عدة سنوات منهمكما في وقفة مع عدة أشخاص. وجدت أرجلي
تقودني للبحث عن شخص ربما أعرفه لكي يدلني عن قاعة الجلسة التي كنت بصدد حضورها.. أحدهم
لمحني فناداني بالاسم وعندما ألحت وجهي وجدته أنه الفاضل مالك العبري - عضو مجلس
الشورى لولاية الحمراء. فقد كان جالسا مع بعض الأشخاص يتسامرون في كراسيهم انتظارا
للجلسة. عرفت فيما بعد أنه ليس عضو مجلس الشورى الوحيد الذي كان حاضرا وذلك عندما
نادى أحد الحراس بأن يتقدم أعضاء مجلس الشورى للدخول الى القاعة قبل بقية الجمهور..
ملاحظة: لست
صحفيا لأنقل الخبر هنا من جهة لا تقر بالتأثير وأنما ككاتب حاول جمع المعلومات من
الذين دخلوا القاعة التي لم أحظى بدخولها.. لذلك فإن سردي للتفاصيل مزيج من
الوقائع والتحليل والرأي الشخصي الذي لا ألزمه على أحد..
(2)
هذا يعقوب
الحارثي وذك صلاح الحجري وثالث صلاح البلوشي، وهناك زينب سعيد وهناك الأستاذة طيبة
المعولية وأخرى تشبه المتهمة بسمة الكيومية، عرفت فيما بعد أنها أختها الدكتورة
التي جاءت لتؤازرها، وهناك والدها ووالدتها وزوجها وأخوه ووالده الذي أعرفه منذ
الصغر، إذن الحاضرون هم الأهل وهم الأقارب وهم الأصدقاء. الحاضرون هم المحامون،
الكتاب كانوا حاضرون أيضا، حمود الشكيلي كان حاضرا، خميس قلم كان ينقل ناظريه بين
الوجوه التي عرفت بعضها ولم أعرف البعض الأخرى. بعضهم أتى إليّ يسلم رغم أني قد
نسيت اسمه. مشهد تكرر لأكثر من ساعة ونحن ننتظر الاعلان عن موعد انعقاد الجلسة.
تكلم أحدهم قائلا بأن الجلسة سوف تكون سرية. سرى نوع من الاستهجان في كيف أن تكون
الجلسة سرية وسط الحضور الكثيف رجالا ونساءا. فبالاطلاع على القائمة المعلقة على
الجدار كانت الاسماء التالية مسجلة لجلسة اليوم التي حجزت لتلك القاعة فقط:-
باسمة
الراجحية
بدر الجابري
بسمة الكيومية
خالد النوفلي
عبدالله
الغيلاني
محمد الفزاري
محمود الرواحي
محمود
الجامودي
مختار الهنائي
ناصر الغيلاني
سعيد الهاشمي
(3)
إذن بحسب
الاعلان المنشور في جدار المحكمة فسوف يتم محاكمة إحدى عشرة شخص تم ذكر اسمائهم
أعلاه، على أنه في نفس ورقة النشرة أسماء أربعة أشخاص آخرين وهم:-
حمود الراشدي
حمد الخروصي
علي المقبالي
محمود الرواحي
رغم حضوري من
حين لآخر العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية سواء كانت في النادي الثقافي أو
في جولدن توليب أو حتى في عمانتل التي تستضيف أنشطة لجمعية الكتاب والأدباء
بالنسبة للأولى ولسبلة عمان الثقافية بالنسبة للثانية إلا أنني مازلت وحتى اليوم
لا أعرف أسماء العديد من الأخوة وحتى الأخوات الذين التقي بهم في تلك الفعاليات.
لذلك فإن الاسماء الواردة اعلاه ليست معروفة كثيرا لي رغم وجودها أيضا في الفيس
بوك. عليه كان لابد أن استفسر عمن يعرفهم وعن أسباب وضعهم في قائمة خاصة. أكثر من
شخص ذكر لي بأنها المجموعة الأكثر إثارة لأنها متهمة بالإساءة إلى المقام السامي
يحفظه الله ويرعاه. تلك الاساءة كنت قد استهجنتها في الفيس بوك وإن كانت جدلية في
بعض الأمور؛ فمثلا، عبارة يا المدعي العام تعرف عايض؟ لم أكن أعرف دلالتها. ولما
سألت فقد قيل لي أنها وردت في مسرحية لطارق العلي لتدل على وجود شخص شاذ يدعى
عايض. ماذا يقصد الشخص الذي حمل اللافتة إذن؟ كذلك كان هناك جدل حول لافتة أخرى تم
رفعها أمام الادعاء العام منذ عدة أسابيع تقول خف علينا راعي لندن.. تلك اللافتة
تداول معناها في عدة مواقع انترنتية أجمع الكثيرون على أنها إشار إلى جلالة
السلطان الذي يقضي الاجازة السنوية في اوروبا وتصادف وجوده في لندن اثناء احتفال
الملكة بعيدها الستين. منذ يومين قيل لي بأن الشخص حامل اللافتة لم يكن هو الذين
قد كتبها وإنما وجدها في الأرض فحملها واعتقد انها تخص علي الحبسي. وعندما انتشرت
الكتابات عنها في المنتديات العمانية فقد سارع إلى التواصل مع ادارة الحارة لحذفها.
(4)
وحيث أن
الانتظار صار طويلا، فلم يكن هناك مفر سوى الحديث مع هذا الصديق أو ذلك المحامي أو
الانضمام إلى نقاش عابر. إلى أن جاء موعد الاعلان عن فتح باب القاعة. عند الباب
تجمع أفراد الأمن ضابط وضابطان بالإضافة إلى أفراد أمن نسائي تلبسن اللبس الأزرق
لم أكن أعرف أية جهة أمنية يمثلن. مر أمامي ضابط برتبة رائد سلمّ عليّ، وطبعا
حاولت أن اتذكر من هو فلم افلح، ولأن اسمه مكتوب فقد رددت عليّ السلام باسمه
المكتوب على قميصه. بعد ذلك نادى المنادي بأن يدخل أقارب كل من حمود الراشدي وحمد
الخروصي وعلي المقبالي ومحمود الرواحي. هناك من قال أن الجلسة سرية لأنه تم منع
دخولنا، وسرعان ما سرى استهجان حول ذلك المغزى من سرية الجلسة. ففي النظام الأساسي
للدولة فإن الجلسات علنية مالم تعلن المحكمة خلاف ذلك. ومن خلاف استقرائي لضوابط
الجلسات فقد وجدت أن الجلسة السريعة تعقد في حالتين: وهي إذا كانت الجريمة في
الأداب العامة مثل جرائم زنا المحارم لما فيها من خصوصية اجتماعية حساسة جدا، أو
جرائم أمن الدولة. كنت قد لمحت المحامي يعقوب الحارثي فسألته عن معنى أن تكون
المحاكمة سرية فقال إنها ليست سرية وإنما هي إجراء تنظيمي فقط، حيث يرى القاضي أنه
من الأفضل عدم دخول عامة الناس حتى لا يرتبك سير المحاكمة خاصة أن الحشد كبير. لكن
ذلك الاستفسار لم يشبع فضولي فيما بعد لأنه سمح للمجموعة الثانية التي كان من
المفترض أن تكون هي الأولى؛ أي يكون يسمح للمجموعة الثانية ولم يسمح للمجموعة
الأولى بحجة تنظيم المحاكمة، حيث أن نفس الحاضرين سوف يحضرون لكلتا الجلستين كما
يبدو..
بعد دخول بعض
أقارب المجموعة الصغيرة تشعب الحديث مع الأخوة والأصدقاء في عدة جوانب والتي من
بينها من حرّك موضوع الاعتقالات. هناك من قال أن بعض الشيوخ وأعيان البلاد لم
تعجبهم الصور والكتابات المسيئة مؤخرا فكتبت خطابا إلى المقام السامي تشرح فيه ذلك
وتطالب جلالته يحفظه الله بالتدخل، وبالتالي أصدر جلالته أوامره السامية إلى
الجهات المعنية بالتحرك. وكمراقب للوضع فإنه يمكن القول بصحة ذلك كون الاعتقالات
قد تم بشكل لم نعهده من قبل سواء من حيث الكيف أوالكم أو حتى مدة الاعتقال وعدم
السماح للمعتقلين بالاتصال بذوييهم إلا بعد مضي عدة أيام رغم أن معظم التهم تصنف
على أنها جنح لا تستدعي كل تلك المدة من الاعتقال لحين المحكمة خاصة أن بعضهم
المتهمين من أمثال سعيد الهاشمي وباسمة الراجحية وبسمة الكيومية قد اقتيدوا مباشرة
من السجن إلى المحكمة ولم يوافق القاضي على الافراج عنهم رغم طلب المتهمين وطلب
المحامين بذلك..
(5)
رغم جودة
التكييف في قاعة الانتظار في البداية إلا أنه مع تزاحم الأشخاص رجالا ونساءا بدأت
حرارة تلك الغرفة في الارتفاع، فامتزجت روائح القادم من عرق يوليو بروائح ذلك
القابع منتظرا منذ الصباح الباكر. فهناك من أتى من أهل المتهمين منذ أن فتحت
المحكمة أبوابها رغم أنه من المتعارف عن القاعات لا تفتح قبل الساعة التاسعة. بدا
الجو مشحونا من كافة الاطراف، فمثلا أخت باسمة الراجحية كانت حاضرة وفي حالة توتر
بادية عليها، إنها حالة انسانية من الترقب تجعل الإنسان يضرب أخماسا في أسداس.
فحكم القاضي الابتدائي وإن لم يكن نهائيا باعتبار أن هناك ثلاثة مراحل للتقاضي في
السلطنة فإنه حكم قد يدخل البهجة أو قد يبعث صيحة كبرى في القاعة إذا كانت هناك
إدانة خاصة إذا امتدت لأكثر من سنة. لذلك لم يكن غريبا أن تجد الأشخاص رجالا
ونساءا يجوبون قاعة الانتظار ذهابا وإيابا بعدما طال الانتظار. متى سوف تفتح
القاعة مرة أخرى؟ متى سوف تنتهي محاكمة الأربعة الخاصة لندخل محاكمة الأحد
عشر؟
لذلك لم يكن
غريبا عليّ وعلى الآخرين أن يبدأ التزاحم على باب قاعة المحاكمة قلما تقدم الوقت.
شيئا فشيئا بدأ الجميع يكون أقرب إلى ذلك الباب، وشيئا فشيئا زاد عدد أفراد الأمن
الحامل بعضهم لمسدس صغير. وحيث أن هناك النسوة اللاتي تنتظرن أيضا ولا يمكن بأي
حال من الاحوال مزاحمة الرجال فكان بديهيا أن يتم منحهم المسافة الكافية للانتظار
قرب باب القاعة حتى ينطلقن بأريحية بخلاف نحن الرجال، ورغم ذلك فإن الأمر لم يمنع
مزاحمة الرجال مع النساء إلا أنه ومع وجود رجال الأمن استطاعت النساء الدخول إلى
القاعة مع مساعدة الأخ خميس قلم الذي أصر على ابعاد الرجال الذين بداوا في التزاحم
بعدما تم فتح باب قاعة المحاكمة. كان الازدحام شديدا ومزعجا أيضا وذلك بعدما تلاقت
المقدمات مع المؤخرات بشكل غير متوقع. فالكل يريد أن يدخل القاعة، والكل كان
متعطشا للاستماع للمرافعات والمداولات، والكل كان يريد أن يشهد تاريخا في ذلك. إنه
حشر لم أشهده إلا عندما كنت صغيرا أزاحم غير تحت سيارة متحركة تنثر المال هنا
وهناك. لقد دخل من دخل وعندما كنت قاب قوسين أو أدنى صدني رجلا أمن بجسديهما فلم
أتمكن من الدخول وإن كنت على عتبة الباب أرى الأستاذة طيبة المعولية تؤشر عليّ
بالدخول، لكن رجلا الأمن كانا أقوى مني.
(6)
كان الحال
محبطا، فقد قاب قوسين أو أدنى أن أدخل القاعة لأستمع إلى الحدث وأنقله مباشرة إلى
حيث يطلع عليه القارئ مع ظني في نفس الوقت طلب الادعاء العام بعدم السماح للصحف
المحلية بالنشر في اليوم التالي – كما حدث في قضية جريدة الزمن. كنت مستاءا إلى حد
كبير لكن سرعان ما تبدد استيائي عندما طمئني أحدهم قائلا بأنه لمح بعض الكتاب
ومعهم بعض الأوراق مما يعني بأنهم سوف يكتبون ما يدور من مداولات بين كافة
الأطراف، كما لمحت وجود بعض الأخوة والأخوات الذين سوف أتواصل معهم لنقل الصورة
قدر المستطاع حتى وإن لم يكونوا قد دونوا تلك المداولات، فهناك شيء اسمه ذاكرة
الإنسان؛ أي أنهم سوف ينقلون الحدث من خلال تذكرهم لما صار دون الحاجة إلى
التدوين. هذا بالطبع يعتمد على الاتساع الذهني لكل فرد ربما عملا بقاعدة ميلر التي
تقول بأن الانسان يستطيع أن يتذكر سبعة أشياء (زائد او ناقص اثنين) في الوقت
الواحد. سحبت بدني المكترش لأجلس في أقرب كرسي بعدما قبل قليل كانت كل الكراسي
مشغولة. تحدثت قليلا مع هذا الأخ ومع ذلك الصديق منتظرا، لكن الانتظار طار. وعند
احتساب الوقت الذي سوف يستغرقه السجال مع أحد عشر متهما فقد ظننته أنه سوف يطول
ويطول، لذلك فضلت الخروج من مبنى المحكمة والانتظار كالقرفصاء لحين ما تنتهي
المحاكمة وأقوم بإجراء الاتصالات هنا وهناك.
إذن كانت
الخطة البديلة هي أن أجرى الاتصالات لأعرف ما حدث، ولأن الروايات سوف تختلف في نقل
الحدث من حيث التفاصيل لكنها تتطابق من حيث الأحداث فقد تواصلت مع عدة أشخاص
هاتفيا لينقلوا لي الحدث. ولعل الحدث يبدأ من حيث منعت أنا من الدخول. بالطبع أي
حدث داخل محكمة يبدأ بالمنادة باسم فضيلة القاضي الذي يترأس الجلسة في المحكمة
الابتدائية وثلاثة قضاة في محكمة الاستئناف وخمسة قضاة في المحكمة العليا. ويكون
بجانب القاضي ممثل الادعاء العام الذي يعتبر جزءا من المنظومة القضائية لكنه في
نفس الوقت يمثل المجتمع في ذلك الجانب، فهو يدافع عن مبادئ ونظام واخلاق واعراف
المجتمع. أي يكون محايدا بين الخصوم، وإن كان ذلك من الجانب النظري لكن الجانب
العملي قد أثبت أن حيادية الادعاء العام ليست دائما واقعية بل تتسلل إليها منغصات؛
كما حدث في قضية جريدة الزمن عندما حرك الادعاء العام قضية بمكالمة هاتفية من وزير
العدل السابق من الولايات المتحدة. كما أن الادعاء العام نفسه قد سبق أن تم
الاعتراض عليه مساره من قبل بعض أعضاء الادعاء العام الذي تظاهروا العام المنصرم
بل وطالبوا بإقالة المدعي العام نفسه..
(7)
كان العدد
كبيرا في زنزانة الاتهام الصغيرة. المتهمون الحاضرون كانوا عشرة، حيث تخلف عن
الحضور عبدالله الغيلاني لتواجد والده في غرفة الانعاش بين الحياة والموت فوجد إنه
يجب أن يكون بجانب والده العليل. وكما أسلفت فإن القاعة كانت ممتلئة بالحضور
الرجالي والنسائي على حد سواء. بعض المتهمين كانوا يتكلمون بصوت منخفض في حين برز
صوت سعيد الهاشمي ومحمد الفزاري بقوة، أما بدر الجابري فقد طغا على صوته النبرة
الانسانية والتي سوف نتحدث عنها بنوع من التفصيل فيما بعد. ناصر الغيلاني سجل
حضورا أيضا بصوته المرتفع بخلاف البقية الذين بالكاد يسمع صوتهم في الصفوف الخلفية.
بدأ فضيلة
القاضي بسؤال بعض المتهمين حول ما إذا كانوا يرغبون في توكيل محامي، فكان الرد
إيجابيا، حيث تلاحظ عدم وجود محامي لكل متهم، وحيث أن المحامي حق مكفول لكل متهم
حتى ولو لم يكن قادرا على تحمل تكاليفه فإنه فضيلته أعطى كل متهم حقه في توكيل
المحامي في ذلك الوقت، على أن يتم اكمال اجراءات التوكيل فيما بعد. وحيث أنه كان
يعتذر التواصل مع كل شخص من قبل ذوويهم فقد كانوا هؤلاء الأقارب قد اختاروا بعض
المحامين الذين تطوع بعضهم للدفاع عن المتهمين.
وكما هو
معلوم في أية قضية فإن عضو الادعاء العام هو الجهة التي توجه التهم لأي شخص، لذلك
كان الادعاء العام أول من بدأ في الحديث عن ذلك. حيث أفاد بشكل عام عن التهم لجميع
المتهمين وهي التجمهر والاخلال بالنظام العام، وأنه تم إلقاء القبض على المتهمين
متلبسين بقطع الطريق. فضلا عن قوله بأن باسمة الراجحية اتهمت عندما قالت: أنتم
غربان، وهي تهمة إهانة موظف عام. الحضور ضحكوا عندما قال عضو الادعاء تلك التهمة
بصوت عالي. أضاف الادعاء العام أيضا تهمة لمختار الهنائي وهي مخالفة الأنظمة
الإدارية. وأخيرا طالب الادعاء العام من عدالة المحكمة توقيع العقوبات المقررة على
المتهمين..
(8)
كان سعيد بن
سلطان الهاشمي أول من تحدث، كان صوته عاليا وجاذبا للانتباه. بدأ سعيد نحيل الجسم
معتل الصحة لكن صوته لم يكن ذلك، سعيد الذي تعرض للضرب المبرح من قبل جهة معينة
قيدت ضد مجهول في تحقيقات الشرطة شد الحضور في حديثه المفصل. فقد بدأ حديثه قائلا
أن الادعاء العام ارتكب جملة من الانتهاكات؛ فقد تم اعتقاله بشكل تعسفي وتم
استخدام كلمات بذيئة من قبل الذين اعتقلوه مثل كلمة يا حيوانات، كما أن طريقة
القبض كانت باستخدام قيد بلاستيكي مؤلم. ذكر الهاشمي أيضا أنه ولمدة ستة أيام على التوالي
لم يتم التحقيق معه مطلقا وإنما ترك في زنزانة انفرادية بها أربعات مكيفات تخرج
هواء شديد البرودة، وكل مكيف بأربعة أطنان من الهواء البارد. وأسلف أنه تعرض للظلم
بعدم تمكين ذويه من زيارته وعدم تمكينه من حضور محامي له، فقد تم منع الزيارة عليه
بالكامل، وعندما كان يتحدث إلى السجان فكان الرد هو أنهم يتلقون أوامر عليا عليهم
تنفيذها.
سعيد دافع عن
التهم الموجهة إليه قائلا أنه يمارس حقا شرعيا كفله النظام الأساسي للدولة. كما
أنه يرى أن هناك استقصاد شخصي ضده لما تم سجنه انفراديا، وأنه لم يتم التحقيق معه
إلا في اليوم الثامن من سجنه. سرد الهاشمي المزيد من الأحداث وذلك بحسب الأسئلة
التي يوجهها إليه فضيلة القاضي والتي كانت كالتالي:-
هل كنت
متواجدا في الاعتصام؟ فيرد سعيد بأنه ليس اعتصام وانما وقفة تضامنية. كم يوم
شاركت؟ سعيد شارك طيلة الأيام الثلاثة. ما سبب تواجدكم في الموقع؟ سعيد: هي وقفة
احتجاجية للتعبير عن الرأي، وقد رفعت لائحة فيها مادتين من مواد النظام الأساسي
للدولة. هل سببت عرقلة في المرور؟ لم نسبب أية عرقلة لأن وقوفنا لم يكن في ساعات
الذروة وإنما كانت بعيدة عن الشارع وفي مواقف السيارات، وكانت حركة السير طبيعية
وسلسة، الأمن هم من عرقل المرور بأعداد كبرة عند اعتقالنا. كيف عرفت عن الوقفة؟
سعيد: كانت هناك دعوات بالفيس بوك. هل تم انذاركم؟ سعيد: في اليوم الثاني فقط أتى
ضابط برتبة عقيد وتناقشنا معا فرد علينا بأنه ليس لديه مانع من الاستمرار طالما
أنه ليس هناك عرقلة للسير، في اليوم الثالث فقط أتى ضابط آخر وطلب منا الخروج في
غضون خمس دقائق وإلا تم الاعتقال..
(9)
من ضمن
الأمور التي ذكرها سعيد الهاشمي استيائه من البيان الذي نشره الادعاء العام، حيث
قال أن البيان اعتبر المتهمين محرضين وأبرز المسيئين. فكيف يقوم الادعاء العام
بنشر تهمة قبل البدء في التحقيق؟ كما أفاد سعيد الهاشمي بحالته الصحية التي تدهورت
نتيجة اضرابه عن الطعام خاصة أنه قد سبق أن تعرض للضرب، لذلك يطالب هو بالإفراج
عنه لمراعاة تلك الظروف الصحية أيضا، تلك المطالبة شملت معظم المتهمين الذين
أفادوا بوجود حالات صحية لديهم.
باسمة
الراجحية تحدثت، أنصت إليها الحاضرون. هي الأخرى كانت مضربة عن الطعام، لذلك فقد
بان عليها واضحا تأثير الاضراب على بدنها، ومع ذلك تكلمت بصوت سمعه الجميع. قالت
أنها ترفض التهم برمتها، وأنها تنكر تهمة اهانة موظف عام ومستعدة لمواجهة الشخص
الذي يدعي إهانته، حيث أن ذلك يتحمل أكثر من تأويل، لذلك تطالب المحكمة إحظار
الشرطي الذي يدعي إهانتها له. أضافت الراجحية إلى أنها شعرت بالإهانة عندما طلبت
منها إحدى الشرطيات أن تتعرى للتفتيش عليها، فلقد تطور العلم وأصبحت أجهزة الكشف
موجودة، فلماذا التعري؟ جدير بالذكر فقد طلب من المتهمة منى الجهورية التعري بغرض
التفتيش ولبت طلبهم وإن كان هناك من قال لها فيما بعد أنه كان يتوجب عليها الرفض
لأن ذلك إجراء يمس من كرامة الإنسان. وقد أفادت باسمة الراجحية أنه في حالة إصرار
الشرطية على التعري فسوف تقوم بالاعتصام، لذلك تم تفتشيها دون التعري. من ضمن
الأمور أيضا التي ذكرتها باسمة الراجحية سوء المعاملة من بعض الشرطيات خاصة أنها
تعاني من مرض الربو، ولذا فقد طالبت الإفراج عنها كونها تمارس حقا شرعيا متمثلا في
حرية التعبير عن الرأي ومراعاة لمكانتها الاجتماعية وظروفها الصحية.
(10)
الأقوال
تتداخل، من ضمن ما قاله سعيد الهاشمي لفضيلة القاضي أنه (أي سعيد) تعرض للظلم
الشديد وأن الادعاء العام يتبلى عليه فكان رد القاضي مفرحا: هذا المكان سوف ينصفك.
الكل يريد الانصاف يا فضيلة القاضي. كذلك ذكرت باسمة الراجحية أن الربو كان يؤثر
عليها صحيا وهي في السجن، فردت إحدى الشرطيات آنذاك أنها (أي باسمة) هي التي أضربت
عن الطعام، بل وقالت لها الشرطية أيضا بانها لن تسفعها حتى الموت. فردت عليها
باسمة بأنهم مسئولون عنها في حالة وفاتها لأنها تحت حمايتهم. ذكرت باسمة أيضا أن
الشرطية قالت: خليها تموت، هي اللي اضربت. كذلك استنكرت باسمة السجن لفترة طويلة،
فهل تستدعي التهم مدة السجن تلك!!
جاء الدور
لأن تتحدث بسمة الكيومية. فقد قالت بأنها تحترم النظام الأساسي للدولة وقد وقعت
تعهدا بذلك، غير أن هناك انتهاكات لهذا النظام، وقد ضربت مثالا لحالة حبيبة
الهنائية التي تم اعتقالها وعدم السماح لها بقبول محامي رغم وجود توكيل رسمي لها.
أردفت الكيومية ترد على فضيلة القاضي عن اللافتة التي كانت تحملها فقالت أنه كان
مكتوبا عليها (افرجوا عن عمان)، فسألها القاضي إن كانت عمان مسجونة فردت على
فضيلته قائلة أن اعتقال أي مواطن عماني يعني اعتقال عمان كلها.
جدير بالذكر
فقد أغمى على بسمة الكيومية ثلاث مرات وهي في السجن نتيجة مرض الربو الذي تعاني هي
الأخرى منه، وقد وصلت حالتها إلى مرحلة سيئة جدا صحيا، كما طلب منها التعري أيضا
لكن مع الاصرار بالرفض فكانت هي ووفاء البوسعيدية وباسمة الراجحية قد رفضن ذلك
الاجراء المهين في كرامتهن حتى وإن كان ذلك التعري أمام نساء من بني جنسهن. وأمر
التعري تكرر ذكره أيضا. بسمة الكيومية ربما تكون من أكثر الشابات تعرضا للإساءة في
حياتها الخاصة وفي فكرها وحتى في لبسها، الكثير من الأشياء السيئة كتب عنها خاصة
في المنتديات العمانية، ومع ذلك لم ترفع قضية إهانة كرامة بل ظلت صامدة رغم كافة
الأشياء الشنيعة التي يتم شنها عليها من حين لآخر. ورغم اختلافنا معها في بعض
الأمور الفكرية إلا أنها تبقى مواطنة لها فكرها الذي ينبغي أن نحترمه ونقدره.
(11)
إنه الشاعر محمود الرواحي الذي جلس في كرسي متحرك، فضلا عن تهمة التجمهر فإنه يواجه تهمة التحريض من خلال أشعاره كما ورد في صحيفة اتهام الادعاء العام له. أما ناصر الغيلاني فقد تحدث بصوت عال قائلا: إذا اعتقل ابن لكم ولا تعرفوا عنه شيئا، فماذا أنتم فاعلون؟ أليست هناك إنسانية واستسرد القول أن الادعاء العام يسيء إلينا من خلال البيان الذي أصدره. لما أتى الدور على مختار الرواحي ووجه له فضيلة القاضي نفس الأسئلة التي سبق أن وجهها فضيلته على المتهمين السابقين فقد كان رد مختار على سؤال القاضي عن المشاركة أنه في اليوم الأول كان مارا على السريع ومسك لوحة لكنه لم يرفعها، أما في اليوم الثاني فقد بقي في المنطقة المحيطة لكنه لم يكن معهم. في اليوم الثالث فقط كان واقفا لمدة خمس دقائق ليغطي الاحداث لجريدة الزمن. الهنائي متهم أيضا بمخالفة اللوائح الادارية كونه قد نشر مقالين أو ثلاثة في جريدة الزمن دون وجود تصريح صحفي صادر له.
إن القول الأكثر أثرا على العديد من الحاضرين هو لبدر الجابري. فقد كان حديثه أكثر تأثيرا على النفس عندما شرح الأحداث التي ابتدأت بحضوره في اليوم الأخير فقط، لديه طفل معاق عمره سنتين ويحتاج إلى مراجعة دائمة في المستشفيات، كما أن لديه أخت تعاني من مرض نفسي وبحاجة إلى اهتمام اجتماعي خاص. ذهب إلى الوقفة الاحتجاجية كونه متعاطفا مع زميل له في العمل قد تم اعتقاله أيضا. كلام الجابري وطريقة السرد الزمت الكثير الصمت والاستماع إليه بنظرة إنسانية فيه الشفقة والعطف. فهو الشاب المتزن الذي لم يخطيء يوما في حق انسان حتى في حواراته في المنتديات العمانية. فكيف يجد نفسه فجأة حبيسا لمجرد أنه أراد أن يتضامن من أصدقاء له؟
كافة
المحامين وهم: يعقوب الحارثي، عبدالخالق المعمري، بدر البحري، سامي السعدي،
صلاح البلوشي، وعبدالله النوفلي قد تطوعوا للدفاع عن المتهمين. لم يتقاضوا
فلسا واحدا وإنما هبوا في الدفاع عن هؤلاء المتهمين الذين طالبوا بتحقيق
العدالة وإنصافهم من أي ظلم وقع عليهم.
بعدما أمر فضيلة القاضي برفع الجلسة وعقدها مرة أخرى يوم الاربعاء 27 يونيو فقد تدافق الكثير من الحضور رجالا ونساءا إلى قفص المتهمين. الأم تبكي أمام ابنتها لترجع إلى المنزل، والزوج على استحياء يرى العاطفة والألم في نفس الوقت، والصديق يعانق صديقه الذي كأنه لم يراه دهرا. منظر مؤلم ومؤثر في نفس الوقت. إنها الانسانية تتجلى في أبسط معانيها. إنها الأخوة تعلو على الذات، إنه الدم الذي لم تتحلل جزيئاته ليصبح ماء. إنه الوطن الذي تجمع بين هؤلاء.
انتهت
الجلسة الأولى
(12)
الجلسة
الثانية أعلنها فضيلة القاضي لتكون اليوم الأربعاء في السابع والعشرين من يونيو
2012. كالعادة اتجهت مع جمع غفير من الأصدقاء إلى حيث مبنى المحكمة بالخوير. اليوم
كان الازدحام أقل، لكن اليوم تعرفت فيه على أشخاص أكثر. مثلما صار في الجلسة
الأولى تم استدعاء المتهمين الأربعة الذين اتهمهم الادعاء العام بالإعابة والإساءة
إلى المقام السامي يحفظه الله. وبالطبع لم يسمح لنا بالدخول. كنت قد التقيت بالأخ
المحامي يعقوب الحارثي لاستيضاح ما قاله له من تناقض وبين ما صرح به لإحدى وكالة
الأنباء العالمية. ورد على التناقض بأنه ذكر لي ذلك قبل دخوله إلى قاعة المحكمة،
لكنه وعندما طلب من فضيلة القاضي دخول الأشخاص الآخرين فرد عليه فضيلة بأن الجلسة
سرية دون أن يوضح فضيلته له ما هو السرية فيها. وكما أسلفت فإن السرية تتحقق في الأمور
التي تندرج حتى الآداب العامة أو ما يتعلق بجرائم أمن الدولة. وطالما أن هذه
القضايا ليست مختصة بالآداب العامة فيعني ذلك أن فضيلة القاضي قدرها على أنها قضية
أمن دولة!!
من بين
المفارقات هذه المرة وجدة امرأة شقراء طويلة تلبس البنطال، اعتقدت أنها من إحدى
وكالات الأنباء الأجنبية كالتي سبق أن شاهدتها العام المنصرم والتي كانت تغطي
الاعتصامات أمام مجلس الشورى، شاهدتها تتحدث مع عدة أشخاص. بيد أنه عندما سالت
أحدهم فقد رد عليّ بأنها من السفارة الأمريكية. ماذا تفعل ممثلة السفارة الأمريكية
في المحكمة؟ وهل تتحدث اللغة العربية!! لم أسأل كثيرا لكن في نفس الوقت لم أكن
قليل الفضول أيضا. ركزت في الحديث مع مجموعة من الأشخاص تارة نتحدث في شيء مما حدث
وتارة نحاول تفسير معنى الإساءة هل تعرف عايض مثلا؟ وتارة ثالثة نطالب بإقالة
المدعي العام الذي قام بتصعيد الأزمة وتمديد فترة الاعتقال بدون مبرر مثلما ذكر
المحامي يعقوب الحارثي في جريدة الزمن الصادرة صباح اليوم.
بعد الانتهاء
من محاكمة الأربعة خرج لنا البعض ممن سمح لهم بالدخول قائلين بأن موعد النطق
بالحكم سوف يكون في التاسع من الشهر القادم. كما خرج لنا الشاعر خميس قلم وكله
تفاؤل وإحباط في نفس الوقت. حان الوقت إذن لأدخل مع المنتظرين والمتربصين بالباب
الموصود من قبل شرطيان بالكاد يبلغان سن العشرين، فملامحهما البريئة تدل على أنهم
من ضمن الذين توظفوا بالأوامر السامية العام المنصرم دون الأخذ باعتبارات التوظيف
المعقدة. لكن هذه المرة تم تغيير الاستراتيجية والتي تمثلت في مناداة كل متهم
والسماح لأهله أولا، ومن ثم المناداة على أقارب وذوي المتهم الثاني والمتهمة
الثالثة والمتهمة الرابعة، عندئذ رأيت المرأة الأمريكية تدخل مع أقارب إحدى
المتهمات دون اعتراض من الشرطة الذين كانوا يسألون أي شخص يقترب من الباب عما إذا
كان قريب للمتهم الذي تم مناداة اسمه. كما عرفت أيضا أن الأمريكية مسئولة عن
العلاقات الدبلوماسية في السفارة الأمريكية ومتابعة للقضية منذ البداية وأنها تتحدث
بعض العربية وأنها سوف تنقل ما يدور في المحكمة إلى سفارة بلادها. على العموم،
استمر الحال إلى أن وجدنا الباب وقد سُد من الخلف معلنا الاكتفاء بالحضور. ورغم
وجود أكثر من عشرة أمامي من الشباب وقد التقت المؤخرات بالمقدمات إلا أنه عبثا
استطاع أحدنا التقدم خطوة واحدة أمام الباب الذي يحرسه الشابان اللذان تليقا
الأوامر من الداخل كما كان يتلقيان أقرانهم الأوامر من الأعلى في حالات الاعتقال
والسجن. إذن لم أوفق هذه المرة أيضا في الدخول إلى قاعة المحكمة، لكن ما دار
داخلها لم يكن بعيدا عني..
التالي: في
مواجهة ساخنة، يتضح أن الشرطي أنكر أن باسمة قالت له الغربان وإنما فقط سمع أحدهم
يتداولها. الادعاء العام، ضعيف الحجة قانونيا أمام محامي الدفاع..
(13)
كالعادة،
يقوم عضو الادعاء العام بإلقاء بيان يورد فيه التهم بشيء من التفصيل مع ذكر بنود
التأثيم القانونية، يعني ما هي المادة التي تجرم الفعل، بالطبع في حالة التجمهر هي
المادة (137) من قانون الجزاء العماني. هذه المرة فضل الادعاء العام إلقاء خطبة
إنشائية طويلة تحيد عن القانون ذاته. بالنسبة للتجمهر وبدلا من أن يثبت بما يقطع
الشك أنه تم بالفعل التجمهر فقد ذكر أن التجمهر يشوه صورة البلد ويؤثر على السياحة
وأن الأجانب سوف يأخذون فكرة سلبية. كما أن المجتمع العماني ضد هؤلاء المعتقلين.
هنا لم يقدم الادعاء العام الدليل على ذلك الكلام الانشائي بخلاف المحامين الذين
أدحضوا الكلام بالحجة كما سوف نرى في سياق الكلام التالي. كما أشار الادعاء العام
أن هؤلاء الشباب بحاجة إلى إصلاح دون أن يشير إلى طريقة الاصلاح ولماذا الاصلاح
أصلا. كان الادعاء العام في نظر الكثير من الحضور يلقي خطبة بأسلوب تهكمي غلبت
عليه نبرة العاطفة المنحازة ضد المتهمين.
وعندما حان
دور المحامين في مواجهة كلام الادعاء العام فقد أتوا برسوم وصور وخرائط للمكان
الذي تم التظاهر فيه، كانت الصور من الجوانب الأربع والتي كانت الأشجار والمباني
تحيط به، كما أن الصور أثبتت أن المتهمين كانوا في الرصيف، أي لم يكونوا يعطلوا
حركة السير ابدا. وكان الادعاء العام قال أنهم عطلوا الحركة التجارية فرد عليه
المحامون بأن البنك كان مغلقا قبل أن يتواجد المتهمون هناك. فمن المعروف أن البنوك
تغلق في الساعة الثانية ظهرا وأنهم قدموا إلى المكان الساعة الخامسة عصرا. فكيف
يقول الادعاء العام أنهم عطلوا الحركة التجارية في المنطقة؟
لم يكتفي
المحامون بإثبات بأنه لم يكن هناك تعطيل في الحركة المرورية او التجارية في
المنطقة وبالتالي إخلال بالنظام العام وإنما عرجوا إلى النظام الأساسي للدولة
والمواد التي تشير إلى ضرورة ابلاغ المتهمين بالتهم الموجهة إليهم والتحقيق معهم
فورا والاتصال فورا بمن يرغبون في محادثتهم وإبلاغهم بالتهم الموجهة إليهم أو
الافراج عنهم. كما أسهب المحامون في شرح المواد القانونية التي تحمي المتهم وتضمن
له حقوقه أثناء التحقيق. كل تلك المواد تم إغفالها أثناء احتجاز المتهمين، كما أن
الادعاء العام لم يستطع الرد على مداخلات ومرافعات المحامين، فبدا للحاضرين أن
الادعاء العام ضعيف الحجة، وأنه اتهاماته واهية خاصة أن الشرطي الشاهد وهو ضابط
برتبة مقدم لم يستطع أن يقول إلا الحق كما سوف نرى ذلك في سياق الحديث التالي.
(14)
عبء
الإثبات...
إن تتهم شخصا
بكلام فذلك سهل، لكن عليك أن تثبت تلك التهمة بما يقطع الشك باليقين. فالبينة على
من ادعى، واليمين على من أنكر..
وعب الاثبات
يقع على عاتق الادعاء العام إذا مثل المجتمع.
وفي قضية
المتهمين بالتجمهر فإن الادعاء العام لم يستطيع أن يقدم الاثبات على التجمهر، هذا
على الأقل من وجهة نظر المحامين ومن وجهة نظر الحاضرين في القاعة، وفي النهاية فإن
فضيلة القاضي هو الذي يقرر ذلك الاثبات. لكن ذلك هو البداية فقط.
حيث أن
الادعاء العام كان قد أورد أكثر من تهمة لأكثر من شخص لتوريطهم بأي شكل في هذه
القضية. وقد اعتقد الادعاء العام أن تهمة اهانة موظف سوف يؤخذ بها وسوف تكون تهمة
ميقنة على باسمة الراجحية. كانت باسمة أول أمس قد طلبت من فضيلة القاضي احضار
الشخص الذي ادعى أنها أهانته حتى تواجهه بتلك التهمة. كما هو معروف فإن كل شاهد
يحضر إلى المحكمة فإن عليه أن يؤدي القسم أولا، أي يحلف على المصحف الشريف بأن ما
يقول صحيح. بالطبع لا يعني أن كل من حلف على المصحف الشريف يقول الحق، ولا يعني
أيضا أن فضيلة القاضي – أي قاضي كان – سوف يصدق الشاهد بمجرد أنه حلف على المصحف
الشريف.
لذلك قام
الادعاء العام بإحضار الشاهد الوحيد على تهمة اهانة الكرامة الموجهة إلى باسمة
الراجحية. وبعدما حلف على المصحف الشريف فقد تم توجيه عدة أسئلة إلى ذلك الشرطي
الضابط الذي كان برتبة مقدم. كان السؤال بسيطا: هل سمعت المتهمة تقول عنكم
الغربان؟ في تلك اللحظة وربما وبعدما أقسم اليمين على المصحف الشريف فإنه لم يجد
نفسه إلا أن يقول الحق الذي أذهل الادعاء العام: لا لم أسمعها تقول ذلك. إذن من
الذي سمعها تقول ذلك؟ رد الضابط الأمين مع نفسه: سمعت أحد الأفراد يقول أنها قالت
ذلك. من هو الفرد الذي سمعته؟ رد الضابط بأنه لا يعرف ولم يستطع أن يحدده.
شاهد لم يسمع
الاهانة...
شاهد ما شافش
حاجة..
كيف إذن أيها
المدعي العام تريد أن ترمي التهمة على مواطنة بإهانة الكرامة والشاهد نفسه يقول
أنه لم يسمعها؟
(15)
عندما كنت
أريد أن أذهب إلى دورة المياه فقد كان الشرطة بالسجن تدخلني معصوب العينين وفي
جونية ومقيد في أرجلي، كنت مسجونا انفراديا مع وجود الموسيقى الصاخبة حتى وقت
الصلاة والتكييف البارد جدا وكذلك الإضاءة العالية. هكذا استهل محمد الفزاري حديثه
أمام فضيلة القاضي، إذ يقول أنه تعرض للتعذيب النفسي فضلا عن وجود مشكلة آلام
الظهر التي تلازمه. أما محمد الجامودي فإنه لم يمكث في القاعة إلا دقائق معدودة
بعدما أصابه الاعياء فأغمي عليه فتطلب الامر استدعاء الاسعاف التي حضرت على الفور
فنقلته إلى مستشفى الشرطة. إذن هناك تعذيب نفسي يؤدي إلى إيذاء جسماني حتى وإن لم
يكن واضحا، فالتكييف البارد جدا والموسيقى الصاخبة طول الوقت والإضاءة العالية ما
هي إلا وسائل يعتبرها البعض قانونية كونها لا تترك أثرا على المسجون في حين
يعتبرها الآخرون أنها منافية للقانون أيضا.
أسلفت أن
شاهد الإثبات وهو الضابط برتبة المقدم وتحت القسم أنكر أنه سمع باسمة الراجحية
تقول عن الشرطة أنهم غربان، وبالتالي يكون الشاهد وكما وصفه المحامي عبدالخالق
المعمري في الجلسة شاهد ما شافش حاجة.. كما أن نفس الضابط تم توجيه إليه أسئلة حول
الاخلال بالنظام العام وعن التجمهر فكان رد ذلك الضابط بأن الحركة سالكة مع بعض
البطء، وأن الشارع لم يكن متوقفا. شاهد الاثبات لم يحضر إلى مكان الوقفة إلا في
اليوم الثالث. وكانت التكنولوجيا في خدمة الجلسة لما تم الاستعانة بخرائط جوجل
ايرث التي وضحت المكان المقصود فيه. ولذلك فإن عضو الادعاء العام ظل ساكتا عندما
ذكر شاهد الاثبات عن أن الطريق كان سالكا ولم تكن هناك عرقلة فيه. كما أن الادعاء
العام لم يجادل حول الخرائط والقرائن التي قدمها المحامون والتي أثبتت عدم وجود
إخلال بالنظام العام بخلاف ما جاء في صحيفة الادعاء. أضاف يعقوب الحارثي في ذلك
السياق أنه بطبع الناس التوقف حتى ولو كان شخص مبنشر له تايرة. وهذا ما يقودنا إلى
المشهد الذي يتكرر كل يوم في شوارعنا العمانية: لمجرد وقوع مخالفة او حادث يتباطأ
الشارع، فهل يعني ذلك أن نسجن الناس؟ كما أن الفعل هنا وهو الوقوف هو أيضا متعمد
من قبل الأشخاص الفضوليين الذين بالفعل يعرقلون السير، ومع ذلك ليس هناك أي اجراء
قانوني يتمثل في اعتقال الناس. فضلا عن ذلك فإن الاعتقال لم يتم إلا في اليوم
الأخير، خاصة أن الشرطة سمحت في اليوم السابق بوسائل الاعلام الدخول في موقع
الوقفة، كما أن الضابط العقيد الذي حضر اليوم الأول واليوم الثاني لم يأمرهم
بمغادرة المكان أيضا، فلماذا تم الاعتقال في اليوم الثالث فقط رغم أن المشهد ذاته
تكرر كل يوم وبدون اخلال؟
(16)
إنه سعيد
الهاشمي، ذلك الرجل الذي عرفته دينامو محرك للشأن الثقافي بالسلطنة، هو ليس بشاعر
أو روائي أو قاص وإنما كاتب وباحث في الشأن المحلي، لعب دورا كبيرا في تأسيس
الجمعية العمانية للكاتب والأدباء في وقت فشل فيه الكثيرون ممن سبقوه وفي وقت كانت
الجمعيات مقتصرة على جمعية المرأة العمانية، لكنه بالعزيمة والإصرار والمثابرة،
وبالاقناع والمنطق استطاع أن يولد تلك الجمعية. لذلك لم يكن غريبا عليّ أن أجده
يدافع عن نفسه ويدافع عن مبادئه أمام فضيلة القاضي، حيث أن كلامه الصريح والجريء
سبب إحراجا لفضيلته فاكتفى بالصمت عندما قال له معلومة مفادها أنه تم الاجتماع
بالقضاة في المحكمة العليا وبالمكتب السلطاني وبجهاز الأمن الداخلي. سؤاله المباغت
لفضيلته: هل تواجه ضغوطا يا فضيلة القاضي؟ إن كنت تواجه ضغوطا فإنني أطلب منك
التنحي، أو تنصفنا في هذه القضية، وإلا فسوف نقف يوم القيامة معا لأشكي بك أمام
الله سبحانه وتعالى. واصل سعيد الهاشمي قائلا: إنه اختبار يا فضيلة القاضي على
استقلالية القضاء، وهذه أول قضية رأي عام يتم فيها الفصل بعد استقلالية القضاء،
عليك أن تثبت أن القضاء مستقل ولن يتعرض لأية ضغوط ولن يخضع لأية جهات مهما كانت.
يا فضيلة القاضي الكل يترقب حكمك فاحكم بالعدل. إننا نناشدك أن تحكم بالقانون وليس
بالضغوط.... فضيلة القاضي سكت لبرهة، لم ينفى أنه تم الاجتماع به من قبل الجهات
الأمنية حسبما ذكر له سعيد الهاشمي.
تكررت
الأقوال الأخرى مثل التعري والحبس في زنزانة انفرادية والإضاءة العالية والموسيقى
الصاخبة، وأن ذلك كله يتعارض مع مواد النظام الأساسي للدولة. عضو الادعاء العام لم
ينكر أن ذلك لم يحصل في السجن، بل ولم يستطع الرد على المحامين الذين تحدثوا بلغة
القانون التي لا نفهم نحن كثيرها لكن فضيلته والادعاء العام يفهمونها، ومع ملاحظة
أن الادعاء العام بدا وكأنه ضحلا في القانون باستثناء تلك الخطبة العصماء التي كان
يقرأوها إلا أنها لم تلقي أثرا لأنها كانت خالية من المضامين المتعمقة في القانون.
ورغم هدوء الجلسة نسبيا إلا أن بعض المداخلات كانت تجعل الحضور لا يلتزم الصمت
الأمر الذي جعل فضيلة القاضي يصرخ في وجه الحضور بالسكوت وبصوت عال وكأنه بدأ يفقد
هدوءه وأعصابه. كما بدا لبعض الحضور أن القاضي كان قد كوّن فكرة مسبقة عن المتهمين
وكأنه يرضخ للضغوط الممارسة عليه، لكن المحامين وكذلك دفاع المتهمين أنفسهم كانت
جديرة بأن يراجع ذاته ليرى أن الحقيقة أبعد من اتهامات الادعاء العام وأن تهم
التجمهر والسب لم يستطع أن يثبتها الادعاء العام. وقد واجه سعيد الهاشمي الادعاء
العام قائلا له بأن عليه أن يثبت بأنهم أي الموقوفين كانوا يقصدون السوء بالوطن،
وكيف يقصدون سوءا وهم ولمدة ثلاثة أيام لم يعطلوا أية حركة ولم يخلوا بالنظام
العام!! بل أن صور جوجل ايرث أثبتت وجود سيارتين فقط في اليوم الثالث، ورغم وجود
ميكرفون واحد فقط وبالتالي ضعف الصوت في الصفوف الخلفية بالقاعة إلا أن المشهد
كانا قويا عندما يتكلم بعض المتهمين وأولهم سعيد الهاشمي وثانيهم باسمة الراجحية
وثالثهم محمد الفزاري، فقد انطلقت لسانهم رغم الاعياء الواضح على أجسادهم لتجعل
فضيلة القاضي وحتى الادعاء العام ينصتون وبدون تعليق وبدون مقاطعة..
(17)
ها هي
المحامية الشابة التي أصبحت متهمة الآن – بسمة الكيومية – ترد على ما أفضى إليه
الادعاء العام حول تأثير التجمهر قائلة بأن الأجانب لا يتوقفون عن القدوم إلى
السلطنة بسبب وجود تجمهر وإنما يتابعون تطبيق القانون، فعدم تطبيق القانون هو الذي
يؤثر على السياحة، وهم يتابعون التقارير الصادرة حول حرية التعبير. كما وجهت
الكيومية سؤالا: من هو الخصم في القضية؟ فإذن كان الخصم هو الادعاء العام فيجب أن
يقف معنا في المنصة (منصة الاتهام) مثل أية قضية يتم تداولها. وأشارت إلى أنه يجب
حماية القضاء من تعسف السلطة، وأن جلالة السلطان كان قد استجاب للمطالب الشعبية
العام الماضي، كما يجب أن تنأ المحكمة من قبول مثل هذه القضايا التي تم فيها وصف
المتهمين فيها بـدخلاء ومندسين في قرار الاحالة. أما المحامي عبدالله النوفلي فقد
قال بأن قرار الاحالة ذكر أنه هناك ناس مندسين وغير أسوياء. وأردف النوفلي قائلا
بأن الاجراءات كانت باطلة بنص المواد القانونية التي سردها للحضور.
كما ذكر
محامي آخر بأن المحكمة أعطت المحامين يوما واحد فقط للاطلاع على ملفات المتهمين،
وهو يوم لم يكن كافيا في ظل وجود أكثر من عشرة متهمين.
كان المفاجأة
الكبيرة عندما تكلم أحدهم بصوت عال من وراء منصة الاتهام لم يشاهده من كان جالسا
في الصفوف الخلفية محاولا تشويه صورة المتهمين أمام فضيلة القاضي خاصة عندما قال:
هل نخليهم يحرقوا المحلات والبنوك؟ لم يتم التعريف بذلك الشخص بخلاف ما هو متعارف
عليه. هناك من ذكر لي بأنه قد يكون من الجهات الأمنية التي رأت أن المحامين سوف
يكسبون الجولة فكان لا بد من تدخل ذلك الشخص لمحاول التأثير على فضيلة القاضي
لإثبات التهم عليهم بأي شكل من الأشكال.
بعد سجال
قانوني وحديث المتهمين المؤثر على الحضور – على الأقل - وجد فضيلة القاضي نفسه
يأمر بالإفراج فورا عن جميع المتهمين، على أن يتم النطق بالحكم في الحادي عشر من
يوليو. كانت هناك فرحة عارمة وسط الحضور ووسط المتهمين بالطبع. وحيث أن السجن كان
في سمائل فقد طلب من ذوي المتهمين التوجه إلى ذلك السجن لاستلامهم وذلك بعد الحصول
على أوراق الافراج من الادعاء العام. اعتقد أهالي المتهمين الحاضرين أن الكل سوف
يفرج عنه بحسبما نطق به فضيلة القاضي إلا أنهم تفاجاؤوا أن الذين سوف يخرجون هم
أربعة فقط، أما الستة الآخرون فإن الجهات الأمنية تطلبهم في تهم أخرى. طبعا هذا
كان أخر نهاية دوام يوم الأربعاء، وبالتالي يتوجب عليهم الانتظار ليوم السبت. ويا
فرحة ما تمت!!!
من ضمن
الملاحظات العامة أن المرأة الأمريكية كانت قد دخلت قاعة المحكمة ومعها أحد
المترجمين!! كما أن الصوت كان ضعيفا في الصفوف الخلفية مع وجود ميكروفون واحد فقط
وبالتالي كان السمع يعتمد فقط على مدى قدرة المتكلم على رفع صوته، كما أن بعض
أفراد الشرطة وعندما يتوجه شخص لا يعرف المكان فإنهم لا يوجهونه بطريقة فيها كياسة
وإن كان معظمهم جيدين..
(18)
الوصول عند
مؤشر الساعة التاسعة صباحا، كانت قاعة الانتظار أقل عددا هذه المرة. أول ما لمحت
كانت ابتسامة باسمة الراجحية، بدى عليها ارتفاع الروح المعنوية لديها رغم المعاناة
النفسية والجسدية سابقا، عرجت للسلام على أقرب صديق أعرفه، لم انتظر طويلا لأرى
تلك المرأة الأمريكية وهي قادمة مع مواطن عماني يبدو أنه المترجم الذي سوف ينقل
إليها الكلام العربي لتوصله حيث تشاء سواء إلى السفارة الأمريكية أو حتى إلى البيت
الأبيض. إذن لنا بدخول القاعة التي أولج إليها أول مرة. كان عدد أفراد الشرطة
كثيرا تجاوز العشرة، قفص المتهمين أكبر عما تصورته، كان ناصر الغيلاني وسعيد
الهاشمي وبدر الجابري جالسين على كراسي جانبية، الهاشمي كنت قد سلمت عليه قبل دخول
القاعة، أتى بطوق على رقبته كالذي نجده في مستشفى خولة. كان الثلاثة يتحدثون وهم
يجلسون القرفصاء انتظارا لقدوم القاضي. لمحت على سعيد الهاشمي شيئا من الاطمئنان
بخلاف بدر الجابري الذي كان يترقب ويترقب مثلما كنا نتقرب معه. ناصر الغيلاني وضع
كفيه على ذقنه فبدى متوترا بعض الشيء، ولما لا، فحكم فضيلة القاضي قد يقرر واحدا
من ثلاثة أحكام: (1) البراءة (2) الإدانة مع وقف التنفيذ (3) الادانة مع التنفيذ
كلية أو جزئية.
كان هناك شاب
وسيم الوجه يلبس المصر واقفا بجانب شرطيين عند الباب، من هو يا ترى؟ بعد دقائق
اختفى ذلك الشاب وأتى آخر لبس الكمة. ساد القاعة صمت بعدما طلب أحد أفراد الشرطة
من الجميع التزام الصمت. كان هناك ترقب. زاد الترقب. إنه الحكم المنتظر، زوجات
المتهمين حضرن وكذلك امهاتهم وكذلك أباءهم واخوانهم وبالطبع اصدقاؤهم. الجميع
يترقب؛ أحيانا بشيء من التفاؤل واحيانا بكثير من التشاؤم. لعل أكثر المتوترين كان
بدر الجابري، فرغم هدوئه المعروف به إلا أن هذه المرة لم يستطع إخفاء مشاعره
المرتقبة، فهو في النهاية انسان ينتظر مصيرا غامضا ليس له فحسب وإنما لابنة له
ولأخت له يعانيان من أمراض مستعصية وهو الوحيد الذي يمكن رعايتهما بعد رعاية
السماء. ذلك الأديب الكبير عبدالله حبيب أتى متأخرا بعض الشيء إلا أنه وجدا مقعدا
مع ناصر وسعيد وبدر. عانقهما علنا فتحدث بصوت خافت وكأنه يريد أن يقول لهما بأنهم
في أيدي أمينة وأن فضيلة القاضي لن يحكم إلا في صالحهم. كما أن سليمان المعمري قد
حضر هذه المرة ليبث الحياة مع رفيق دربه سعيد بن سلطان. سليمان هو الشاب الذي سعى
طويلا لإنعاش فكرة تأسيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء.
(19)
يتم الاعلان
عن المحكمة، يدخل فضيلة القاضي، ينهض الحضور من مقاعدهم، يجلسون، يترقبون، تزداد
دقات القلوب، سوف ينطق فضيلة القاضي بالحكم، تبدأ الأعصاب بـالحرق... يترفع الضغط،
يسجل الاندريالين أرقاما قياسية؛ متى سوف ينطق القاضي بالحكم؟ بدأ القاضي هادئا
عندما طلب التأكد من الحاضرين؛ أين سعيد الهاشمي؟ أين باسمة؟ أين بسمة؟ كانوا قد
دخلوا في القفص. ذلك القفص لا يفصل بين المتهم والمتهمة، ورغم أن العدد كثيرا إلا
أن القفص بالكاد يتسع لهم جميعا، ومع ذلك اصطف ما يقارب من الستة أفراد من الشرطة
بجنب القفص بجانب اصطفاف غيرهم في أماكن متفرقة، كما دخل أحد الشرطة بداخل القفص
نفسه لكنه خرج فيما بعد. ها هو القاضي ينادي بأسماء المتهمين فردا فردا فيرد
المتهم الذي يسمع اسمه بأنه موجود، ليس كل المتهمين في القفص فقد كان هناك من هو
مازال مقيدا وقد اقتيد من السجن إلى المحكمة مباشرة، فمحمود الجامودي ومختار
الهنائي ومحمد الفزاري مازالوا محبوسين رغم أن فضيلة القاضي قد أمر بالإفراج عنهم
في الجلسة الثانية إلا أن الجهات الأمنية أعادت اعتقالهم من جديد دون معرفة التهم
الجديدة والتي لم يتم تداولها في الجلستين الماضيتين.
كانت المفاجأة:-
يعلن فضيلة القاضي أنه أمر بفتح باب المرافعة من جديد، وأنه يستدعي المقدم
علي بن عبدالله باصديق بتاريخ 22 يوليو، أي قبل يوم من يوم النهضة المباركة.
أصيب الجميع بذهول.. فقد كانوا ينتظرون الحكم سواء بالبراءة أو الادانة،
لكن القاضي فاجأ الجميع بل وأذهلهم. فهو الذي قال بأن موعد النطق في هذا اليوم (11
يوليو 2012)، وهذا الموعد تم التصريح به في الصحف المحلية. فكيف يغير القاضي رأيه؟
بطبيعة الحال الكل أصبح فضوليا عن سر التغير المفاجئ في سير القضية، كيف
يتم فتح القضية من جديد؟ دار الحديث خارج المحكمة هذه المرة. عدة محامون حللوا ذلك
التغير المفاجئ في سير القضية على النحو التالي:-
1) القاضي يقرر التنحي عن القضية ضمنيا والدليل على ذلك أنه لما طلب
استدعاء شاهد جديد فإنه لم يحدد على أية تهمة سوف يشهد الشاهد، حيث أن الادعاء
العام قد قدم أربع تهم ضد المتهمين مثل التجمهر والاهانة ومخالفة النظم الإدارية.
2) لا يريد القاضي أن يسبب أزمة لقاضي آخر.
3) سوف يتحقق موضوع تنحي القاضي في الجلسة التالية التي سوف يتم عقدها في
22 يوليو.
4) يبدو أن فضيلة القاضي ولما سمع سعيد الهاشمي يطلب منه التنحي إذا واجه
ضغوطا وإلا شكى به يوم القيامة أنه جلس يراجع نفسه فرأى أنه من الأفضل التنحي وحفظ
ماء الوجه بدلا من الحكم في قضية تشير الدلائل على أنها براءة.
5) لماذا يتم فتح القضية من خلال استدعاء شاهد لم يكن من ضمن ملف القضية
أصلا..
أي ماذا حدث وراء الكواليس خلال الأيام الماضية؟ هل تعرض فضيلة القاضي
لضغوط فرأى أن التنحي خير له؟ هل تريد الجهات العليا الصاق التهم لحفظ ماء الوجه؟
وهل سوف يحلف الضابط التالي على القرآن الكريم في يوم رمضاني مبارك ويقول الحق؟
(20)
إنه اليوم الثاني من
رمضان، فبدلا من أن تكون الجلسات الساعة التاسعة صباحا فقد تأخرت ساعة أخرى، كان
الحضور هذه المرة أقل أيضا، لذلك كان الأمر سلسا عندما وجدت نفسي أدخل القاعة
لأجلس في الصف الثاني استمع وأدون ما تلتقطه أذني، فقد كانت الأصوات تتأرجح بين
منخفضة جدا وبين مرتفعة جدا وبين متوسطة. تم مناداة المتهمين الذين حضر معظمهم
باستثناء اثنين او ثلاثة لم يتم التأكيد على حضورهم إلا شخص آخر انضم إلى قفص
الاتهام بعد حوالي نصف ساعة من سير المحاكمة.
لقد تغير المشهد هذه المرة.
فهناك هيئة محكمة جديدة..
هناك قاضي جديد..
أين هو فضيلة القاضي السابق؟
كنت قد استمعت إلى فرضية بعض المحامين ومن بينهم يعقوب الحارثي مفادها
ضمنيا أن القاضي السابق قد تنحى. لكن هناك من أتى وأراد أن يدحض تلك الفرضية في
منتدى الحارة. وكما يقول الأخوة المصريون: الميه تكذب الغطاس: جلسة اليوم كانت
بقاضي جديد.. إذن ما قاله المحامون من فرضية كان صحيحا. القاضي تنحى.. وكنت قد
علمت أيضا أنه تم عرض القضية على قاضي آخر وثالث ورابع وخامس وحتى سادس، وكلهم
رفضوها. لماذا؟ هناك من يعتقد أن أحكام البراءة واضحة من خلال بطلان الاجراءات
وضعف الأدلة على التهم، وبالتالي فإن هؤلاء القضاة الستة لم يريدوا أن يتم الضغط
عليهم بالحكم خاصة في شهر رمضان المبارك ففضلوا رفض القضية برمتها بعدما تنحى
زميلهم فضيلة القاضي السابق.
لا أدري ما هو سر حضور الأمريكية في كل مرة، فقد كان وجودها الصامت بارزا
باستثناء ما تدليه من حديث عابر مع هذا أو ذلك خارج المحكمة، كما أن عدد الحضور
وكما اسلفت قد قل وكذلك عدد أهالي المتهمين. بيد أن عدد أفراد الشرطة ظل كما هو.
بعدما تم النداء على المتهمين والذين كانوا في قفص الاتهام وآخرون جلبوا (الفزاري
والهنائي) من غرفة مجاورة فقد تم النداء على شاهد الاثبات الأول باسم علي بن
عبدالله باصديق، إلا أن فضيلة القاضي قد وجه أن يكون شاهد النفي خارج القاعة على
أن يتم مناداتهم فيما بعد. طلب فضيلة القاضي من شاهد الاثبات أن يقسم على المصحف
الشريف بحيث يردد وراء كلمات فضيلته: أقسم بالله العظيم أن أقول الحق ولا شيء سواء
الحق. وهذا القسم هو نفس الكلمات التي تستخدم في المحاكم الأمريكية وربما في محاكم
أخرى. أقسم الشاهد الذي كان يرتدي المصر والدشداشة، ومن ثم طلب فضيلة القاضي منه
أن يروي ما حدث في الأيام الثلاثة. كان صوت الشاهد ضعيف رغم قربي منه، لذلك طلب
منه أن يرفع صوته فرفعه قليلا، من ضمن ما سمعته قال أن مكان التجمهر هو في منطقة
حيوية ذو أهمية اقتصادية وأن ترتبط بشارع مسقط السريع، كان الشاهد يقرأ من ورقة
صغيرة وضعها بجانبه ليضمن بأنه لن ينسى شيئا. وكذلك باصديق نقطتين طلب القاضي من
أمين سر المحكمة أن يدونهما وهما أن التجمهر أضر بالأمن وأدى إلى تعطيل الحركة
المرورية.
(21)
طلبت منهم أن يتحركوا لكنهم ظلوا يماطلون لغاية الساعة السادسة والنصف، كما
أنهم سببوا ازعاجا شديدا، كما قمت بتنبيههم في اليوم الأول بعدم الوقوف هكذا قال
ضابط الميدان وهو يدلي بشهادته من ورقة صغيرة، سأله فضيلة القاضي: ماذا ردوا عليك؟
قالوا لي بأنهم سوف يغادرون المكان الساعة السادسة والنصف. واصل الضابط قائلا بأن
بالازعاج تمثل في تجمع الناس وأن هناك ضرر تمثل في تعطيل الحركة المرورية، وأن
هناك حالات مرضية لدى بعض الناس وهم يقودون سياراتهم. استرسل الضابط يكرر بأن
منطقة القرم منطقة حيوية ذات أهمية اقتصادية وأن تعطل المرور شمل شارع القرم
والشوارع الداخلية التي أدت إلى نوع من الضغط المروري كما أن الوضع تطلب
توفير القوة الخاصة بهدف تنظيم حركة المرور وإبعاد الناس والحركة المرورية. هنا
ركز فضيلة القاضي على نقطتين: النقطة الأولى وهي تعطيل الأمور التي شهد الضابط بأن
الحركة المرورية تعطلت، أما النقطة الثانية فهي إهانة الكرامة. أفاد الضابط الشاهد
بأنه سمع المتهمة باسمة الكيومية تقول في البداية: مبروك للشعب العماني، زادوكم
الرواتب. وهذا في نظر الضابط نوع من الاستهزاء. واسترسل قائلا بأنه سمعها صراحة
تقول: الغربان لأفراد القوة الخاصة.
بعد الانتهاء
من إفادتهم سمح فضيلة القاضي للشهود أن يدلوا بإفاداتهم، استهل سعيد الهاشمي كأول
المتهمين قائلا بأنه يسجل احترامه للضابط الشاهد في الموقع آنذاك وفي المحكمة
الآن. وقال سعيد بأن لديه ثلاث نقاط يود تسجيلها وهي ما يلي: (1) لم أذكر شيئا عن
شباب صحار (هذا بعكس ما أفاد به الضابط في بداية حديثه أن سعيد قال شيئا عن شباب
صحار). (2) عندما سألنا الضابط عن سبب الاعتصام قلنا له بأن هذا ليس اعتصاما وإنما
وقفة احتجاجية نؤكد فيها على ضرورة تطبيق النظام الأساسي للدولة للمعتقلين، كما
أبلغت الضابط بأننا سوف نظل حتى الساعة السادسة والنصف فقط لأنه لدينا أعمالنا
وارتباطاتنا. كما أننا لاحظنا وجود فريق تلفزيوني قام بإجراء اللقاءات مع الأخوة
ولم يطلب منا الضابط مغادرة المكان بعدما أقنعته بالهدف من الوقفة الاحتجاجية. ذكر
سعيد الهاشمي أن هناك ضابط برتبة رائد كان اسمه منزوعا من قميصه وكان يتلفظ بألفاظ
نابية وكان مشتاطا وغاضبا فطلبت من الضابط الشاهد وهو برتبة مقدم أن يحمينا من ذلك
الرائد. قاطع الشاهد الضابط سعيد الهاشمي قائلا بأنه لم يسمع الرائد يتلفظ بأية
أقوال وأن هناك وسائل أخرى لتوصيل الرسالة مثل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الدولة
والمدعى العام والوزراء والأجهزة الأمنية، رد سعيد على الضابط الشاهد بأنه لجأ إلى
هؤلاء. دار نوع من الجدل لم أستطع تدوين معظمه إلا أنني سمعت أحد المحامين يقول:
موافقة ضمنية عندما قال سعيد بأنهم سوف يستمرون لغاية الساعة السادسة والنصف فقط،
أي أن الضابط وافق ضمنيا على الوقفة الاحتجاجية لحين ذلك الوقت.
(22)
تحدثت
بسمة الكيومية موجهة كلامها إلى فضيلة القاضي تطلب منه شطب شهادة الضابط لتناقض
الأقوال فيها. ووجهت عدة أسئلة من بينها: كم عدد الأفراد الموجودين، وكم عدد أفراد
الشرطة، سيارات الشرطة كانت تحجب الرؤية... تحدث سعيد الهاشمي مرة أخرى قائلا بأنه
كان يوجد أشخاص بلبس مدني من الجهات الأمنية يعرف بعضهم شخصيا وأن لديهم كاميرات
للتصوير. كما واجه سعيد الشاهد الضابط قائلا له بأنه في اليوم الثالث قال الشاهد
لهم: عندي أمر باعتقالكم جميعا، وذكر سعيد أنه طلب من الضابط أن يستثني الأطفال
والنساء إلا أن الضابط رفض ذلك.تحدثت باسمة الراجحية قائلة أن الضابط الشاهد اعتبر
أن سعيد يمثل الجميع إلا أن الانذار لم يصل إلى الجميع لأنه كان يخاطب سعيد فقط.
كما قالت أنها شخصية معروفة وبالتالي من السهل القول أنه سمعها تقول كلمة الغربان
على الشرطة، وجهت للضابط سؤالا ما إذا كان يعرفها فأنكر ذلك وقال بأنه لم يراها
إلا آنذاك أي أثناء التجمهر. ذكرت أيضا أنه تم السماح للتلفزيون بالتصوير وبالتالي
تريد إضافة تقارير التلفزيون للملف. وأردفت ان أحد المواطنات وهي فاطمة جان كانت
موجودة وتطلب من المحكمة استدعائها لسماع أقوالها. وجهت باسمة سؤالا إلى الضابط:
في أي يوم رأيتني؟ قال أنه رآها في اليوم الثاني وأنه لم يسبق أن رآها من قبل ولا
حتى عن طريق الاعلام.
أخذت الجلسة
منحى أكثر تركيزا على إفادة الضابط الشرطي حول مزاعم تلفظ باسمة الراجحية بكلمة
الغربان حيث قال بأنه سمعها تنطق الكلمة ليست له وإنما لأفراد الشرطة. تنكر باسمة
ذلك في حين يؤكد الشاهد الكلام قائلا بأنه التفت على جهة اليمين عندما سمعها تقول
ذلك. وعندما أتى دور ناصر الغيلاني فقد بدأ حديثه قائلا بأنه مواطن حر من أحرار
الوطن وأن سعيد الهاشمي لا يمثله، وأن الضابط لم يبلغه أو يبلغ زملائه لمغادرة المكان،
أي من المفترض أن يبلغ الضابط الجميع بمغادرة المكان. كما أن كلام الضابط كان
عبارة عن آراء ولم يقدم أدلة على مزاعم تعطل الحركة المرورية. أما المتهم عبدالله
فقد قال أن الضابط لم يعلنها للجميع بالانسحاب وإلا فسوف يعتقلهم منذ اليوم الأول
لأنهم لن يحضروا في اليوم التالي لو كان هناك انذار بالاعتقال. ويعتقد عبدالله أن
الموضوع مبيت. أما بدر الجابري فقد قال في المحكمة بأنه ينبغي أن يكون الشاهد
دقيقا عندما يقول بأن الجميع كانوا موجودين، وسرد بعض التجارب السلمية التي شارك
فيها والتي يقوم فيها الضباط بإنذارهم بالاخلاء مثل العقيد راشد البادي الذي طلب
منهم المغادرة فغادروا المكان إلا أن هذا الضابط الشاهد لم يفعل. كما ذكر بدر
الجابري أنه لم يكن موجود يوم الأحد وأنه حضر الساعة السادسة مساء الاثنين وأنه لم
يكن هناك انذار لاخلاء المكان وإنما تم الاعتقال، كما أنه لم يكن هناك تعطيل لحركة
المرور بل كانت سلسة.
(23)
قال
المتهم خالد أن سعيد لا يمثلهم، كإشارة على أن الضابط الشاهد لم يطلب منهم جميعا
مغادرة المكان. أما مختار الهنائي الذي ظهر لي أول مرة في القفص بلحيته التي طالت
بعدما كانت صغيرة فقد قال أنه يوم الأحد كان واقفا بعيدا وعند بنك صحار ولم يشارك
معهم، وأنه قدم للمكان يوم الاثنين ولمدة ثلاث دقائق فقط وذلك مع جريدة الزمن. كما
قال بأن المواقف كانت محجوزة من قبل رجال الشرطة، وأن هناك سيارات بأرقام مدنية
ومن بينها سيارة التيما والتي تم اعتقاله فيها. وأسلف الهنائي أيضا أنه لم يقل
لرجال الشرطة أنه صحفي وإنما قال أنه مع فريق جريدة الزمن، وهذه إشارة منه على
التهم التي يضيفها له الادعاء العام بأنه مخالف للوائح الادارية بزعم أنه صحفي.
تحدث ممثل الادعاء العام بالمحكمة قائلا بأن مختار كان يحمل لافتة إلا أن مختار رد
عليه بأنه مسكها لكنه لم يرفعها. تكلم محمد الفزاري الذي مازال مسجونا قائلا بأنه
ولأول مرة يشوف الضابط، كما أردف قائلا بأن سعيد يمثل نفسه فقط. وأنه تم اعتقالهم
يوم الاثنين غير أنه في يوم الثلاثاء كان هناك تجمهر آخر لكن لم يتم اعتقالهم.
المتهم محمود
كرر نفس ما قاله زملاؤه: سعيد لا يمثلنا، لم يكن هناك تعطيل للمرور، التلفزيون كان
موجودا، لم يتم إبلاغنا بمغادرة المكان. ذكر ناصر الغيلاني أنه تم إجراء مقابلة
معه حول سبب الوقفة فقال بأنه يمارس حقا دستوريا كفله النظام الأساسي للدولة. طلب
فضيلة القاضي الادلاء بالأقوال الختامية فكان الشاهد الضابط أول من تكلم دون ان
يكون صوته مسموعا. تكلم المحامي عبد الخالق المعمري الذي وجه أسئلة للشاهد الضابط:
كم عدد الأشخاص الذين شاهدتهم يوم الأحد فرد الشاهد بأنهم بين 22 الى 25 شخصا. كم
عددهم يوم الاثنين يرد الشاهد بأنهم 25 الى 26 شخصا. سؤال آخر: هل تقدم الأفراد
(أي أفراد القوة الخاصة) بشكوى في موضوع الاهانة؟ هل كانت الاهانة موجة لك؟ هل سمع
الأفراد الاهانة؟ من هم هؤلاء الأفراد؟ يرد الشاهد الضابط بأن الأفراد لم يسمعوا
ولا يستطيع يؤكد أن الآخرين سمعوا الاهانة. هل المواقف مشغولة وغير معطلة وممتلئة؟
أو مفرغة؟ هل تم منع السيارات؟ من الساعة الرابعة والنصف. كانت بعض الأسئلة يتم
الاجابة عليها من قبل الشاهد الذي كان يتكلم بصوت خافت في حين كان فضيلة القاضي
يطلب من المحامي تجاوز السؤال وتوجيه سؤال آخر وذلك وفق تقدير فضيلته. تحدث
المحامي يعقوب الحارثي قائلا بأنه مكتوب بالمحضر بأن الضابط الشاهد هو قائد
الميدان ووجه سؤالا إليه عن الحركة المرورية فرد عليه بأن هناك بطء شديد في حركة
المرور. كما وجه إليه عدة أسئلة والتي كان من بينها: هل طلبت من أحد الضباط تسهيل
حركة المرور فرد عليه الضابط الشاهد بالايجاب. سؤال نفس السؤال الأسبق لكن بطريقة
مختلفة فرد عليه الضابط بأن الحركة كانت شبه انسيابية يوم الاحد. وهناك نجد تناقضا
بين افادته السابقة التي قال فيها ذلك الضابط أن الحركة المرورية متعطلة وبين
الاجابة اللاحقة والتي قال فيها انها شبه انسابية. سؤال آخر: هل كان الأفراد متواجدين
أمام القيادة؟ من الذي كان يشد السائق (في إشارة إلى سائقي المركبات وهم في
الشوارع). سؤال: من أصدر أمر الضبط؟ الشاهد: أنا أصدرت الأمر بما في ذلك الحدث
(الطفل). سؤال: في أي شارع تقصد التعطيل؟ الشاهد: شارع السلطان قابوس والجسر
والاشارات والشوارع الداخلية.
(24)
واصل
المحامي يعقوب الحارثي توجيه الأسئلة إلى الشاهد والتي من بينها ما هي وظيفة
الضابط الشاهد؛ هل هي مرور او تحريات، فرد الشاهد بأنه ضابط مركز المنطقة. وأردف
الحارثي أنه وجد تناقضا في التوقيتات، وكان هناك سؤال آخر للشاهد: متى كتبت
التقرير؟ هل في نفس يوم الوقفة؟ فرد عليه الشاهد بأنه يكتب التقرير بعد كل حدث.
لاحظ الحارثي أن التقرير كان عبارة عن محضر لاحق، ولم تكن هناك تقارير سابقة مرفقة
بملف القضية. أي أن تقرير الضابط أتى فيما بعد، في إشارة إلى أن القضية كانت قد
خلت من تقرير الضابط الشاهد في بدايتها، ولم يكن هناك تقرير إلا بعدما أعلن فضيلة
القاضي فتح باب المرافعة من جديد. فمتى قام الضابط الشاهد بكتابة التقرير الذي لم
يكن موجودا في الأساس؟ كان هناك سؤال آخر وجهه يعقوب الحارثي كمحامي إلى الضابط
الشاهد: لماذا سمحت بالتغطية التلفزيونية فرد عليه الشاهد بأن التلفزيون هو جهاز
حكومي. وفي سؤال آخر للشاهد: هل أكد لك سعيد أنه يمثل الجميع؟ هنا تدخل فضيلة
القاضي قائلا بأن سعيد لم يؤكد الصفة. وتدخل سعيد أيضا قائلا بأنه لم يمثل أحدا
ولا يمثل أي تيار أو ايديولوجيا وإنما يمثل فكرا حرا. وأضاف سعيد أنه كانت هناك اشارات
تدل على أوامر الاعتقال وأن القرار تم اتخاذه بناء على أوامر سابقة، من بينها (أي
الاشارات) وجود اغلاق المواقف من قبل الشرطة وتزايد أعداد أفراد الأمن وعدم
الانذار بالاخلاء. تحدثت بسمة الكيومية قائلة بأن التناقضات لا يعتد بها، وأنها
تطلب ضم المقابلات التلفزيونية إلى المحضر. وتتساءل بسمة أين كان الشاهد؟ فشهادته
تناقض شاهدة الضابط السابق. فقد كانت القضية محجوزة للحكم. وتساءل مختار الهنائي
أيضا عن سبب السماح للتلفزيون بالتصوير كما ذكر أنه تم اعتقال صحفي من وكالة
رويتر. ذكر أحد المتهمين أن القائد الميداني كانت لديه تعليمات بإلقاء القبض عليهم.
بعد الانتهاء
من ادلاء شاهد الاثبات فقد تم استدعاء شاهد النفي واسمه الراشدي والذي تكلم عن يوم
الوقفة وقال أنه وقف معهم، لكن لم تكن هناك عرقلة سير، حيث كانت الوقفة بعيدة
بمسافة 20 إلى 30 متر عن الشارع وأن العرقلة حدثت أثناء الاعتقال. كما حضر شاهد
نفي آخر وهو عادل البادي والذي وبعد القسم باليمين قال بأنه لا يوجد تعطيل للحركة
المرورية يومي السبت والأحد، أما يوم الاثنين فلم يكن حاضرا. تحدث المحامي عبد
الخالق المعمري عن التماسه لفضيلة القاضي بالافراج عن المتهمين المحجوزين وذلك من
باب روح الانسانية والشهر الفضيل ومن باب الرحمة خاصة أن بعضهم يعيلون
أسر، فرد عليه القاضي بأنه يعرف الإجراءات القضائية فتعاقب معه المعمري قائلا بأن
شهر رمضان هو شهر رحمة ومغفرة. كما تكلم المحامي عن ضرورة حصولهم على نسخة من ملف
القضية ومن قرار الإحالة، فالملف والقرار يطلع عليهما المحامون ومن ثم كتابة ما
ورد فيه بخط اليد، ولا يتم نسخها بالآلة الناسخة، الأمر الذي يستغرق جهدا طويلا
ولا يمكن أن يكون شاملا. في نهاية الجلسة وافق فضيلة القاضي على طلب المحامي
بتأجيل المحاكمة لحين القيام بالمرافعة الختامية، على أن تكون يوم الأحد بتاريخ 29
يوليو.
انتهت
الجلسة الثالثة
(25)
إنها الجلسة
الرابعة؛ يدخل الحضور الذين زاد عددهم قليلا، لاحظت ذلك
الكاتب الكبير الذي تم احتجازه أيضا لكنه ليس من ضمن الذين يحاكمون، إنه الاستاذ سما عيسى، حضر أيضا هذه المرة
الدكتور محمد العريمي رئيس الجمعية العمانية للكتاب
والأدباء الذي حاولت أن تفعل الكثير لمساندة أعضائها سواء عن طريق الالتقاء برئيس مجلس الشورى أو بالمفتش العام
للشرطة والجمارك والذين وعدوا الكثير لكن لم يتم
تنفيذ تلك الوعود إلا القليل. يدخل
فضيلة القاضي، لكنه قاضي آخر،
إنه القاضي الثالث الذي يتولى النظر في القضية، سؤال
دار في البال: ما هو سر تغيير
القاضي للمرة الثانية؟ ففضيلة القاضي الثاني حضر المداولة مرة واحدة فقط، هل هناك أمور خافية على البعض أو
ربما على الكثير حول سر تغيير القضاة في هذه القضية
بالذات؟ لماذا نجد ثلاثة قضاة ينظرون ويقرؤون ملف القضية من جديد في كل مرة؟ سألت أحد المحامين فيما بعد عن الشخص
المسئول عن تعيين القضاة للنظر في القضايا فرد عليّ
بأنه فضيلة رئيس المحكمة. إذن لم يقوم رئيس المحكمة بتغيير القاضي؟ القاضي الأول وحسبما وصلني بأنه تنحى بناء
على طلبه، ماذا إذن عن القاضي الثاني، أي لماذا تغير؟
هل تحنى هو الآخر بناء على طلبه؟ أسئلة حائرة ظلت تراودني كما تراود الآخرين الذين التقيت بهم فيما بعد حول سبب
تغير ثلاثة قضاة في هذه القضية بالذات!!
بدأت المحكمة بخطبة وصفها أحد المحامين بأنها عصماء والتي تلاها ممثل للادعاء العام حول مفهوم النظام العام... إذ قال أن النظام العام فكرة واسعة أريد بها حماية النظام العام لاستقرار المجتمعات وسلامتها، وهي تضيق وتتسع وتختلف باختلاف الأوضاع السياسية والاجتماعية، وهي مجموعة من القواعد الجوهرية التي يبنى عليها.... (لم أسمع الكلمة). ويتكون النظام العام من ثلاثة عناصر وهي الأمن العام والصحة والسكينة العامة. فالأمن العام هو العنصر الأساسي وباختلاله يختل التوازن ممثلا في الحوادث والاضطرابات والمؤامرات، لذا يجب اتخاذ الحيطة والحذر. المتهمون أخلوا بالأمن العام والسكينة العامة حيث يتجلى ذلك في أفعالهم بأمور ثلاثة وهي أولا المكان: وهو منطقة تجارية سكنية ذات مراكز عالمية ومساكن للدبلوماسيين، ثانيا موقع التجمهر وهو مبين من أربع جهات وكان مكان وقوفهم بارزا للعيان وثالثا أن مرتكبي الجرائم قد نبهوا في اليومين السابقين إلا أنهم أصروا على مواصلة التجمهر فأدى ذلك إلى إحداث ارباك في المنطقة فقام الضابط المسئول باستدعاء قوة إضافية وأصدر أمرا بضبطهم. أما الدليل الساطع فإن المتهمين لم يكونوا تحت السيطرة فزادت الاعداد وازدحمت الطرقات. إن المطالب قد تكون مشروعة إلا أنها تتحول إلى مسار آخر، وأحداث صحار قد أدت إلى تخريب وحرق ونهب، والمتهمون ضجعوا السكينة وازعجوا المارة وأقلقوا المتسوقين، والدليل على ذلك ما نشر وكتب وتداول بشتى أنواع الطرق. إن الحرية لا بد أن تخضع لنظام يحكمها المشرع، وما قام به المتهمون هو اعتداء على حريات الآخرين وتعطيلهم. إن الضابط الميداني هو الذي يحدد النظام. إن شهادة الشاهدين لتأكيد على الاخلال وعدم السير، وقد اختل الأمن. فقد انظم إليهم آخرون وكونوا مجموعات، وقد أمر الشاهد علي بن عبدالله صديقي بضبطهم، وكان عليهم أن يسلكوا الطرق المحددة قانونا. لذا يطالب الادعاء العام بإنزال العقوبات المقررة قانونا وفق قرار الإحالة..
(26)
ها هو
الاستاذ المحامي يعقوب الحارثي الذي يبدأ بصوت خافت ثم يعلو ليسمعه الجميع يتحدث
قائلا أن لديه عدة ملاحظات على ما ذكره الادعاء العام والتي من بينها أنه صوّر
الأمر وكأن حدثا جللا سوف يحدث في السلطنة، ضابط الميدان يقول أن هناك بطء في
السير، عناصر الأمن العام في السكينة والصحة العامة، من وسائل الضبط الإدارية هي
وقائية وليست .... (لم أسمع الكلمة). محامي آخر (لم يتسنى لي الاطلاع على شخصه)
ذكر ببطلان الاجراءات وأتى بدفوع على النحو التالي: الدفع الأول، بطلان محضر
التحري، فالشاهد المقدم وردا على سؤال وجه إليه في المحكمة ما إذا كان هو من كتب
المحضر أم لا فرد الشاهد بأنه ليس هو، فهو قد استند إلى تقارير أولية و(بناء على
تعليمات وتنسيق). يسأل المحامي: أين هي هذه التقارير الأولية؟ ومن الذي سلم
التعليمات؟ طالما أنها الأساس الحقيقي الذي بني عليها الاتهام، فشل الاتهام في
تقديم أي دليل آخر، حيث أن المادة (130) تنص على تقديم جميع الأوراق والأدلة
للمحكمة. كما أن محضر التحري سلبي ويتيم والاتهام قائم على غير دليل. سرد المحامي
بعض المبادئ التي أقرتها محكمة النقض المصرية حول التحريات غير الجدية وأنها لا
تصلح ولا تقبل بها المحكمة. أما الدفع الثاني: بطلان الشاهد، حيث أن الشاهد الثاني
يتناقض مع الشاهد الذي سبقه. فالشاهد الثاني يدافع دفاعا مستميتا عن شهادته داخل
المحكمة وعلى كل صغيرة وكبيرة، وقد ورد في أمر الضبط أنه هو من قدّر الحالة، وأنه
هو من كتب المحضر وبناء على التعليمات والتنسيق.. ثالثا، في قرار الاحالة تم ذكر:
اشتركوا وآخرين في الاخلال بالنظام العام واستخلاص نية النظام العام وقرار الاحالة
لم يفند أو يفسر معنى الاخلال بالنظام العام، فقط ما جاء به الادعاء العام اليوم،
وبالتالي يكون الادعاء العام قد فشل في ذلك. لقد ذكر الشاهد أن الاخلال بالنظام
العام يعني استنفار 90% من قوة المركز لتجمع المتجمهرين.. والسؤال هنا: ما هو مظهر
الاخلال؟ يواصل المحامي قائلا بأنه حمل شيئا من الاحباط وأنه سبق أن تم تصور أن
أمرا جللا سوف ينال من السلطنة من أقصاها إلى أقصاها!!
يتساءل
المحامي: هل يجوز أن تكون بعض المعلومات محذوفة من المحضر؟ ويتساءل أيضا عن ماهية
الأمن والنظام العام. كما أورد ملاحظتين حول مفهوم نص التجريم والنص التجريمي، وما
هي الأفعال التي تجرّم، وقد تساءل ما إذا كان استنفار 90% من قوة المركز يعد
اخلالا بالنظام العام؟ وهل تجمع بعض المعتصمين يعتبر اخلالا بالنظام العام؟ إن
قرار الاحالة صّدر بما يلي: بتاريخ 11/6 في قرار... وبناء على التعليمات والتنسيق
..... الجريمة وقعت يوم الاثنين.. ثم اخذت الاحتياطات الساعة الرابعة... (لم استطع
تسجيل التفاصيل لسرعة الحديث). يضيف المحامي: من المسئول عن التجمر؟ أشار أحدهم
إلى أن سعيد الهاشمي لا يمثل أحد، وفي السياق ذاته فقد قال بدر الجابري بأنه لم
يكون موجودا يوم الاحد. فعلى أي أساس اعتبر الانذار ثم التوجيه، وهذا ما صدّق عليه
مختار الهنائي. إن المتهمين يحضرون بمحض ارادتهم، الإنذار لم يحصل يوم القبض. ذكر المحامي
أيضا عن المحاكم المصرية حول توجيه الانذار وذكر شيئا عن اذا صدر أمر من باب سد
الذرائع وإن كان..... (لم استطع التقاط بقية الحديث)..
(27)
أردف المحامي يعقوب الحارثي على ما قاله زميله المحامي بالقول في الدفع بشرعية التجمهر؛ هل الوقفة شرعية أم مخالفة؟ حيث ذكر أن قيام المتهمين جميعا يعد طريقة من طرق التعبير عن الرأي، فالإنسان يعبر عن رأيه في البيت وفي المحكمة وفي الشارع وفي الصحراء وفي قلب المراكز التجارية وليس هناك ما يمنع ذلك. كما سرد ما يسمى القصد الخاص وأن الاخلال بالنظام هي قرائن مادية ملموسة والحدث ليس بنية جرمية. عدد المضبوطين هو (26) أما الماثلين أمام عدالة المحكمة فهم (11) شخص. يشكر الحارثي الادعاء العام على اخراج بقية المتهمين إلا أنه يتساءل لماذا خرجوا، ويضيف أن الاخلال ليس له علاقة بالسلوك. هنا نجد إشارة من المحامي حول ما جاء به المحامي عبدالخالق المعمري الذي قال أن سبب اخراج المتهمين الآخرين هو قيامهم بالتعهد بعدم تكرار الفعل، يعني طالما أن المتهم تعهد بعدم التكرار فلن يتعرض إلى المحاكمة، وهذا هو السلوك! كما أن الحارثي يضيف انتفاء جريمة قطع الطريق وركنها المادي والمعنوي، وذلك بحسبما قرأه في إحدى المواد القانونية وهي سد الطرقات العامة. فالركن المادي هو فعل وهو التجمهر، إلا أن المشرع لم يعرف أركان وعناصر الركن المادي، حيث أن بعضها يركز على الفعل والبعض الآخر يركز على النتيجة، والمحكمة العليا.... إذا خلى ... العلاقة السببية تكون منتفية ونتيجة (المسئولية التقصيرية).. لم ألتقط بعض الكلمات هنا بسبب انخفاض صوت الحارثي. هل فعل التجمهر كان سبب قطع الطريق؟ هل من قام بالتجمهر هو من عرقل المرور أو قائد المركبة ذاته؟ هل منع العبور وعدم ..... هل توجد رابطة سببية؟ (1) بعد المسافة: الوقفة في شارع فرعي مكان موقع الجريمة. (2) جريمة قطع الطريق: يوم الاثنين فقط بحسبما ورد في قرار الاحالة. ذكر الشاهد أنهم أخلوا المواقف وطوقوا المكان وأتت الدوريات في الساعة الرابعة. من يثير الانتباه؟ الشرطة بنفسها متجمهرة. لو أتوا دفعة واحدة لتم ضبطهم. الشرطة بنفسها قامت بتطويق المكان والقطع. الجسر الذي يبتعد فوق 400 متر لأن عناصر الشرطة هي التي تخرج من مركز القيادة.
يضيف يعقوب الحارثي كمحامي عن المتهمين قائلا أن على المتهم أن يصمت أمام المحكمة وأن الأصل في الإنسان البراءة، وأن الخيمة تتساقط، وأن القصد الخاص والنية الجرمية. لقد عجز الادعاء العام عن الاتيان بالقصد الخاص. أما المتهم التاسع فالمحكمة ليست ذو اختصاص، حيث أن الادعاء العام بيّن أنه صحفي يعمل بدون ترخيص: فكيف يكون صحفيا ومتهم بالتجمهر؟ والتهمة مخالفة الأنظمة الإدارية واللوائح التنفيذية وقانون المطبوعات والنشر ليس لائحة تنفيذية. وبالتالي يطالب الحارثي بالبراءة له لعدم وجود المخالفة (مختار الهنائي). محامي آخر يقوم بالتعقيب على الادعاء العام: هل التجمهر في حد ذاته مشروع؟ حيث أن هناك 3 – 4 مواد في النظام الأساسي لذلك. كما أن طبيعة المكان بكونه مكان اقتصادي وتجاري فهو لإيصال رسالة هناك وليس في الصحراء، فالقسم الخاص موجود في تلك المنطقة. وتعقيبا أيضا على ما ذكره الادعاء العام حول احداث صحار فيتساءل المحامي: هل يجوز القياس؟ هل الحكم استباقيا لكي نتفادى ما حصل في صحار؟ لقد سلبت الحرية من المتهمين ومن خلال كلام افتراضي فتم سجنهم وتعذيبهم.
(28)
إنه ذلك
المحامي الذي دافع كثيرا عن التلوث البيئي
في غضفان، ولولا الأوامر السامية لظل المسئولون يتقاعسون في فعل أي شيء، المصانع لن تنتقل ولكن السكان يجب أن
ينتقلوا، ومع ذلك لم ينتقلوا حتى الآن، وكما قال
زميله المحامي يعقوب الحارثي بأن حرية التعبير عن الرأي مكفولة حتى في
المحكمةذاتها، لذا تكلم عبد الخالق المعمري وأخذ راحته في الكلام بادئا حديثه
بآيات من الذكر الحكيم، ثم تطرق إلى مقولة
مفادها أنه خير للعدالة أن تبرئ ألف مذنب من أن تدين
شخصا واحدا بريئا. ذهب المعمري بحديثه إلى حقبة السبعينات حيث كان التخطيط أساسا في كل شيء، كما ذهب إلى النظام
الأساسي للدولة عندما قال بأن كل العمانيين سواء
كان حارثيا أو معمريا متساوون أمام القانون في الحقوق وفي الواجبات. بداية مرافعته الحقيقية تطرقت إلى أن الشاهد
المقدم علي بن عبدالله باصديقي قد ذكر أن عددالمقبوض عليهم هو 25 – 26 شخص، أما
العدد الماثل أمام فضيلة القاضي فهو أقل من ذلك، لذلك
فإن المعمري يوجه سؤالا إلى فضيلة القاضي: أين العدد الباقي؟ لقد قام الادعاء العام بإخراجهم من خلال التعهد وأنهم
نادمون وذم أهلهم. ويتساءل المعمري بصوت عالي:
إن كانت التعهدات قانونية فلننهي القضية بالتعهد فقط!! تطرق المعمري أيضا إلى تهمة إهانة موظف عمومي موجهة إلى
باسمة الراجحية؛ حيث جاء في المحضر الذي كتبه المقدم
علي بن عبدالله أنها تلفظت بكلمة غربان، إلا أن الشاهد السابق قال أنه لا شاهدها ولا سمعها بنفسه وإنما سمعها
من أفراد، وعند سؤال الشاهد باصديقي إن كان قدشاهدها من قبل فرد بأنه أو مرة
يشوفها... السؤال هنا: كيف أتى بإسمها في المحضر؟ وعندما
تم توجيه سؤالا آخر لذلك الشاهد: هل أحد الضباط غيرك سمعها فرد بالنفي. هنا استأذن المحامي عبد الخالق المعمري من
فضيلة القاضي لتمثيل مشهد قائلا: خسئت بصوت عال
بعدما التفت إلى الحضور وهو يقول الكلمة. تساءل: هل القانون يعمل بالنوايا؟ من هم المهانون؟ إذن هناك شك، وعملية
الشك تولدت في الشهادة؛ المقدم الرواس (الشاهد الأول)
يقول أنه سمعها من أفراد، أما المقدم باصديقي (الشاهد الثاني) فيقول أنه سمعها بنفسه، ولا يعلم إن كان قد
سمعها الأفراد. إذن تكون الشهادة مهزوزة وفيها شك،والشك يفسر لصالح المتهم. عرج
المعمري قائل بأننا جميعا للوطن ولسنا ضد الادعاء العام
وأنهم يحملون رسالة ومبادئ معينة وأن عقيدة المحكمة أرحم من السؤال وأن عقيدة المحكمة هي التي تقدر الأدلة بشكل
جازم.
بعدما انتهى
المحامي عبد الخالق المعمري
من المرافعة التي سمعها الجميع وبصوت عال فقد تحدث سعيد الهاشمي مبتدئا بتقديم شكره الجزيل للقضاة الثلاثة
وبأن القضاء العماني قضاء حيوي. فور انتهاء سعيد من
مداخلته تداخل الادعاء العام ردا على المحامين السابقين متسائلا عن بطلان الاجراءات وهي (أي الاجراءات) واضحة
وفي الملف، ثم قال بأنها جريمة تلبس وليس للتحري
وأن الشاهد أدلى تحت اليمين وأكد مرارا أن الأوامر صدرت منه شخصيا (كمارأينا وسوف
نرى بأن المكتوب في المحضر هي تعليمات وتنسيق) وأنه لا يوجد تناقض بين الشاهدين وإنما هي مكملة لبعضها وأن
استنفار 90% من قوة المركز يعد اخلالا بالنظام والأمن
العام..
(29)
يواصل
الادعاء العام رده فيشير إلى ما ذكره بدر الجابري بأنه لم يتم إنذارهم من قبل وإلا
لما حضر، إلا أن الادعاء العام يفند ذلك قائلا بأن المادة (137) لم تتطلب إنذارا
للمتهمين (هذه المداخلة فيها تناقض مع ما سرده الادعاء العام بداية الجلسة عندما
قال أنه تم إنذارهم في اليومين الأول والثاني؛ أي أنه طالما لا يتطلب القانون
الإنذار فلماذا ركز على الإنذار؟). أما عن طرق التعبير عن الرأي فإن الإدعاء العام
أشار إلى أن جميع المواد في النظام الأساسي تشير إلى في حدود القانون .. هنا لم
يحدد الادعاء العام أي قانون يقصد فيه وهل يتماشى ذلك القانون مع النظام الأساسي
وهل تم تعديل تلك القوانين التي سبق إصدار بعضها قبل النظام الأساسي نفسه مثل
قانون المطبوعات والنشر والذي صدر قبل أكثر من 10 سنوات من صدور النظام الأساسي.
يواصل الادعاء العام الرد حول إخراج بعض المتهمين وإبقاء الآخرين قائلا بأن
الادعاء العام سلطة تقديرية لا ينازعه أحد وأن المحكمة هي من تقرر تلك السلطة.
يؤكد مرة أخرى الادعاء العام أن تسببوا في عدم سهولة السير وأن الشاهد أكد تأكيدا
أنهم باقون 50 مترا عن الطريق. أما عن القصد الخاص فيقول الادعاء العام بأن الوقوف
مدة ثلاثة أيام يدل على القصد الخاص (أورد الاجابة في شكل سؤال). ويضيف إلى أن
الشاهد التاسع (مختار الهنائي) شارك في التجمهر، وأن الشاهد الأول سمع من الأفراد
جاء تأكيدا من قبل الشاهد الثاني.
يرد محامي
(لم أتأكد من هويته) قائلا بأن الملف بعنوان محضر تحري وكذلك وبناء للتعليمات
والتنسيق... في إشارة إلى أنه ليس تلبس بدون سابقة القرائن. كما أن الإشارة إلى أن
90% يدل على الإخلال فما هو الإخلال؟ لقد أصبح مركز الوطية فاضي من القوة. يضيف
المحامي يعقوب الحارثي: الضابط قائد الميدان قال في المحكمة نعم في إشارة إلى
شهادته حول من أصدر الأوامر، إلا أنه وفي المحضر فقد كتب الضابط: وبناء للتعليمات
والتنسيق لذلك كان يجب أن تكون هناك مذكرة قبض من الادعاء العام. ويعقب الحارثي
حول كلمة الكفالة في النظام الأساسي للدولة فيقول أن المقصود بها ليست التقليص
والعرقلة. ثم ينتقل إلى تهمة مختار الهنائي والذي يقول عنه الادعاء العام أنه
صحفي، هنا نجد أن الادعاء العام يتنصل عن المحضر. وردا على السلطة التقديرية
فيتساءل عبد الخالق المعمري ما هي المقاسات المعنية: سجنهم مدة خمسة أيام وبعد ذلك
إخراجهم!!!
(30)
تحدث سعيد الهاشمي مرة أخرى: هل أحداث
صحار تصبح عقدة أمنية لدى الادعاء العام والجهات الأمنية؟ مجموعة من الأشخاص
فشلوا، يعني يتم القبض على الناس ويرمى بهم في السجن حتى لا تتكرر الأحداث!! يذكر
سعيد شهادة الضابط الثاني الذي أدلى قائلا بأن سعيد كان قد أتى مع البقية لمساندة
أحداث صحار إلا أن سعيدا ينفي أنه قال لذلك للضابط، كما يسترسل سعيد في
الاستثمارات الخارجية التي أصبحت الشغل الشاغل فيقول بأنه يجب إعادة النظر في تلك
الاستثمارات إذا كان عدد 25 شخص وقفوا سلميا سوف يجعل تلك الاستثمارات تهرب إلى
بلادها. ثم يتساءل: ماذا عن المواطن؟ مردفا القول بأنهم (أي المستثمرون الأجانب)
يحترمون المواطن عندما يطالب ومن ثم ينال حقه. طرح سعيد سؤالا أمام الحضور حول سبب
قيام الادعاء العام برد على الأجانب في إشارة إلى مقال تم نشره في جريدة مسقط
دايلي يبرر فيها الادعاء العام الاعتقالات وذلك لغير الناطقين باللغة العربية
مستفسرا في نفس الوقت عن ذلك الفعل وعدم الاتيان بنفسه في الصحافة الناطقة
بالعربية والاكتفاء بالبيانات العربية فقط. أضاف الهاشمي أنه كان يمارس أرقى أنواع
التعبير عن الرأي، فالوقفة كانت صامتة ويحملون لافتات مكتوب عليها بعض المواد من
النظام الأساسي للدولة، وبالتالي هم كانوا بعدين عن كل الاتهامات الواردة.
أما بسمة الكيومية فتحدثت مضيفة إلى
الدفوع التي ذكرها المحامون بأن ما يفعله الادعاء العام هو إثارة الزوبعة وأن
التجمع السلمي هو حق، وأن الادعاء العام خلط بين التجمهر والمظاهرات والاحتجاجات
حتى لا يتكلم أحد، وتضيف أن الاخلال بالأمن هو من خلال انتهاك النظام الأساسي
للدولة، حيث يتم أخذ الأشخاص من مكان عام ويودعون في السجن، فالسلطة هي التي تنتهك
الحقوق والحريات. نحن وقفنا وقفة صامتة، فهل ذلك اخلال بالأمن؟ إن حق التجمع وحق
التعبير حق مشروع، لذا فنحن نأتمنكم على حق دستوري. أما باسمة الراجحية فقد تحدثت
قائلة بأنهم لم يخرجوا حاملين السلاح ولم تكن لديهم أدوات للإخلال وإنما خرجوا في
وقفة صامتة، وأنهم سبقوا أن توجهوا إلى القيادة العامة وإلى الادعاء العام فقيل
لهم بأن هناك تعليمات، وعندما حصلوا على توكيل محامين للمتهمين إلا أن ذلك التوكيل
تم رفضه. لقد استخدمنا كل الطرق السلمية. وتستفسر الراجحية حول شهادة الشاهد
الثاني الذي ذكر في المحضر أنهم يلبسون اللبس الأسود، فهل الشاهد يحلل أم يأتي
بالمعلومة؟
(31)
كعادته، يتكلم ناصر الغيلاني بصوت جهور ينساب الكلام من
لسانه دون تردد، يبدأ حديثه متسائلا عن عدد المقبوض عليهم وعدد الماثلين أمام القضاء: لماذا
أطلق سراح البقية؟ الرياضيات لا تخطئ؛ تم اطلاق سراح (64%) من المتهمين، الادعاء
العام إذن مقتنع بالبراءة وإلا لما أطلق سراح الأغلبية. يقول الشاهد بأنه لم يعرف
عدد الأفراد وهو قائد الميدان، ويقول أيضا أن الجسر متوقف؛ فهل متوقف بشكله الطبيعي
أم أن الشرطة لفتوا انتباههم؟ حيث أن ذلكالجسر تتوقف فيه الحركة دوما.يتحدث بدر
الجابري بعد ناصر الغيلاني قائلا بأنهم لم يذهبوا متحدين أو معادين وإنما ذهبوا
لممارسة حق كفله النظام الأساسي للدولة وهو الأصل وما دون ذلك فروع ، ولا يمكن
للفرع ان يتغلب على الاصل او حتى يناقضه ، ولو كانت المحكمة الدستورية تعمل وتقوم
بدورها الآن لنسفت هذا القانون (في إشارة لتناقض بعض مواد قانون الاجراءات وقانون الجزاء
العماني مع النظام الأساسي للدولة. يواصل بدر الجابري حديثه قائلا بأننا سلكنا
كل الطرق الطبيعية وذهبنا إلى الادعاء العام،وعندما تم اعتقالي ذهب أخوتي الحاضرون
في المحكمة الآن إلى الادعاء العام ليسألوا عني فقيل لهم بأن يتوجهوا إلى القسم
الخاص، ولما ذهبوا إلى القسم الخاص قيل لهم أن يتوجوا إلى الادعاء العام فأصبح
المواطن لا يعرف أي جهة يقصد فما هو الضير لو تم اخبارهم بمكاني، لم تبلغ تلك الجهات
اخواني عن مكاني الذي لم يعرفونه..ولا استبعد أن يقف اخوتي هذه الوقفة احتجاجا لهذه
المعاملة للمواطن.... الادعاء العام يقول لماذا وقفوا هناك وأقول لقد وقفنا عند
القسم الخاص لأنها هي الجهة المسئولة فتوصيل الرسالة كان لهم فانا لا اريد توصيل
رسالتي الى وزارة الاسكان او زارة الخدمة المدنية ، يواصل الجابري قائلا بأن
الشاهد المقدم علي باصديق يقول بأننا كنا موجودين يوم الأحد وأنا شخصيا لم أكن
موجودا ، كلام الشاهد الثاني يتناقض مع كلامالشاهد الأول، ثم يافضيلة القاضي كان
الشاهد في الجلسة الماضية يقرأ من ورقة شاهد يقرأ من ورقة..! فضيلة القاضي لقد كنت
اراقب حركة السير بشكل جيد ولو رأيت أن حركة السير قد توقفت لغادرت المكان لأنني
لا أرضى بتعطيل مصالح الناس وجئت لتوصيل رسالتي ومن ثم أذهب(الكلام لا زال للمتهم بدر
الجابري)، ثم يبدأ بوصف الحدث بدقة؛ لم تكن هناك عرقلة لحركة السير، أقسم أن هناك
تبييت للنية للقبض علينا..
يأتي الدور على المتهم محمد الفزاري، يقول بأنه موجود في الحبس الانفرادي منذ (50) يوما، وكأنه من أهل الكهف، وأنه صوته راح وأنه لا يعرف أنيعبر وأنه ما في مخ في إشارة إلى المعاناة النفسية التي يتعرض لها طيلة مدة حبسه الانفرادي، وهو يطلب النظر إلى الأمر بعين الاعتبار والتقدير. مختار الهنائي تم حجزه أيضا مدة خمسين يوما ويقول أن معاناته هي نفس معاناة محمد وأن الادعاء العام حقق معه قليلا وأنه الآن في سجن سمائل وأن هناك انتهاكات ومعاملة سيئة في السجن وأنه لم يتم السماح للمحامي وأنه لم يكن صحفيا وإنما كان مع فريق لجريدة الزمن في الوقفة والتي كانت أقل من ثلاث دقائق. أما عبدالله الغيلاني فيعتبر أن القضية قضية سياسية ويقول لفضيلة القاضي: والدليل أنك القاضي الثالث (لم يرد أو يعقب فضيلة القاضي عليه)، وأنه لو كان نيتهم قطع الشارع لوقفوا في الشارع نفسه. ويتساءل عبدالله ما إذا كان المطلوب منهم إثبات البراءة؟ وأين الأدلة؟ وأن هناك شاهد واحد فقط، وأنهم في الأصل أبرياء.
يأتي الدور على المتهم محمد الفزاري، يقول بأنه موجود في الحبس الانفرادي منذ (50) يوما، وكأنه من أهل الكهف، وأنه صوته راح وأنه لا يعرف أنيعبر وأنه ما في مخ في إشارة إلى المعاناة النفسية التي يتعرض لها طيلة مدة حبسه الانفرادي، وهو يطلب النظر إلى الأمر بعين الاعتبار والتقدير. مختار الهنائي تم حجزه أيضا مدة خمسين يوما ويقول أن معاناته هي نفس معاناة محمد وأن الادعاء العام حقق معه قليلا وأنه الآن في سجن سمائل وأن هناك انتهاكات ومعاملة سيئة في السجن وأنه لم يتم السماح للمحامي وأنه لم يكن صحفيا وإنما كان مع فريق لجريدة الزمن في الوقفة والتي كانت أقل من ثلاث دقائق. أما عبدالله الغيلاني فيعتبر أن القضية قضية سياسية ويقول لفضيلة القاضي: والدليل أنك القاضي الثالث (لم يرد أو يعقب فضيلة القاضي عليه)، وأنه لو كان نيتهم قطع الشارع لوقفوا في الشارع نفسه. ويتساءل عبدالله ما إذا كان المطلوب منهم إثبات البراءة؟ وأين الأدلة؟ وأن هناك شاهد واحد فقط، وأنهم في الأصل أبرياء.
(32)
يتحدث محمد الجامودي قائلا بأنه لم
يتم الافراج عنه حتى الآن، فهو محبوس منذ (50) يوما، وكان حبسه في البداية في مكان
مجهول، ويرى أن القضية ليست هدفها تطبيق القانون وإنما قضية كيدية، فقد تم اعتقال
(26) شخص بينما نجد في القفص (11) شخصا فقط، إذن أين البقية؟ ويتسأل: لو أن الشرطة
اعتقلت (6) فهل يجب محاكمة (3) والافراج عن (3) فقط؟ ولماذا كان في يوم الثلاثاء
وقفة ولم يتم اعتقال أحد؟ مطلب الجامودي هو الافراج. يضيف ناصر الغيلاني بأن
الادعاء العام يحاكمهم على النوايا بدون وجود دليل، وأن نواياهم كانت طيبة ومعلنة
في إشارة إلى ما تم القيام به من إجراء مقابلات تلفزيونية تحدث بعضهم فيها عن
أسباب الوقفة الصامتة والتي من بينها منح المتهمين بالاتصال بذويهم، كما أن
اللافتات حملت أشياء ومواد دستورية. أما المحامي عبد الخالق المعمري فقد أشار إلى
الخرائط التي تشير بل وتؤكد خلو المكان، ويتساءل إذا كان للمقدم الشاهد أرقام
سيارات، وإذا كانت هناك نية بإخلاء المواقف أيضا. يفاجئ المحامي يعقوب الحارثي
بمداخلة ذكر فيها أن هناك شخص ورد اسمه في المحضر وهو (خالد الجابري) إلا أنه غير
موجود أساسا على أرض الواقع. ويختتم الحارثي بالتماسه بالبراءة. يعلن فضيلة القاضي
أن النطق بالحكم سوف يكون بتاريخ الثامن من أغسطس 2012 والذي يصادف يوم الأربعاء.
تنويـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه:
لقد سبق أن قلت في بداية هذا الحدث وأنا أنقله بأنني لست صحفيا لكي أنقل الحدث كما هو وبشكل محايد. لقد حضرت المحكمة أربع مرات لتأييد زملائي المتهمين والذي يمارسون حقا دستوريا يتمثل في حرية التعبير عن الرأي في وقفة احتجاجية لتطبيق المواد الدستورية المتمثلة في توجيه التهم فورا لأي شخص يعتقل مع ضمان وجود محامي يوكله عنه وضمان الاتصال بذويه وضمان سجنه في الأماكن المخصصة لذلك وعدم حبسه مدة طويلة بدون توجيه التهم إليه. ورغم نقلي للحدث قدر المستطاع إلا أنني لم ولن أدعي الدقة المتناهية في نقل الحدث لأنني في الجلستين الأوليتين للمحكمة لم أستطع الدخول للقاعة وبالتالي كان نقلي لها من خلال الاتصال بعدة أشخاص تمكنوا من دخول القاعة، كما أن ضعف الصوت في القاعة أو عدم وضوح حديث المتكلم سواء كانوا متهمين أو شهود أو حتى محامين وقضاة قد أثر على قدرتي على نقل الحدث بكافة تفاصيله. حاولت قدر المستطاع أن أدون وعلى وجه السرعة ما ذكر لي أو ما سمعته شخصيا في المحكمة لكن القصور من قبلي وارد في كل الأحوال. نعم هناك انحياز في موضوعي هذا لكنه انحياز للحق الدستوري وانحياز للعدالة التي يجب تطبيقها بالشكل الصحيح الذي يخدم الوطن أولا ويخدم المواطنين ثانيا ويخدم القضية ذاتها ثالثا. فهذه القضية تصنع تاريخا في استقلالية القضاء من عدمه وتصنع مجدا في طريق العدالة التي يجب أن تكون منزهة خالية من أية ضغوط أو تدخلات. فالوزير كان يتدخل سابقا، ولما تم إقالته ومن ثم فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية إنما كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن هل الفصل كافيا دون تدخل جهة أمنية بزعم أو بواقع في السلطة القضائية؟ لن أتمكن من الحضور لسماع نبضات القلوب وهي تكاد تتفطر عندما تنتظر أن ينطق فضيلة القاضي، ولن أتمكن من رؤية ردة الفعل القوية سواء بالبراءة التي ننشدها أو الادانة التي يتوقعها الكثير، لكنني سوف أكون في قلب الحدث من خارج القطر الذي لسوء حظي يتصادف تاريخه مع عملي خارج السلطنة بتاريخ ثمانية ثمانية 2012.
الخاتمــــة
إنه الثاني عشر من الشهر الثاني عشر للسنة الثانية عشر بعد الألفية الميلادية.. امتلأت القاعة بشباب عمان وبناتها وحتى ببعض آبائها وأمهاتها. دارت الأحاديث الجانبية: البعض يتوقع البراءة والآخر يتوقع الإدانة وثالثة يقول بأن الحكم سوف يكون لصالح كافة الأطراف، فلا الحكومة تريد تصعيد الموقف ولا تريد أن تخسر هؤلاء الشباب لتزج بهم في غياهب السجون..
بالأمس كنت قد حضرت ندوة ثقافية تحدث فيها مؤلف وثائق عمان السرية عن مسيرته في جمع تلك الوثائق. كان الحضور مذهلا رغم صغر المكان في مقهى سيكند كاب.. كان سعيد الهاشمي مبتسما دائما، رأيت رفيقه الأديب الكبير سما عيسى حاضرا بل كان مقدما للضيف. لمحت فيما بعد العزيز بدر الجابري وكأنه قد قدم من حلاق أبدع في ذقنه ومحياه الجميل وكأنه أيضا قد استعد لعرس فوق عروسه، ولما لا؟ فالبسمة لم تفارق ذلك الثغر الودود.. كما أن بدر قد تداخل أيضا مع الضيف وبكل ثقة في الحوار كما تعودنا منه في الحياة العامة أو هنا في المنتديات الالكترونية..
في صباح اليوم كان سعيد ومختار ومحمد وبالطبع بدر مبتسمين أيضا،، مازحت احدهم قائلا بأنه لم يكن رفيقا مناسبا وسط أهله في الليلة المنصرمة بل كان باله مشغولا بأفضل الاحتمالات وأسوأها وبين البينين.. كنت أيضا قد لمحت الأختين باسمة الراجحية وبسمة الكيومية في مطلع هذا الأسبوع تتسوقان في سيتي سنتر وبعربة ممتلئة، سألت بدافع الفضول رغم أن باسمة كانت تحاول مداعبة ابنتي روضة إلا أن روضة كانت مشغولة بلعبتها الصغيرة. ردت باسمة وهم تبتسم بنظرة تشاؤمية بأن تلك الأغراض هي لزوم السجن... فقد كانت تتوقع الأسوأ..
وهذا ما قد حدث اليوم!!!!!!!!!!!!!
فقد أعلن للحضور بالدخول إلى قاعة
المحكمة.. ساد بل خيم الصمت... دخل سعيد وناصر وباسمة وبسمة والآخرون إلى القفص..
طلب منهم الشرطي الخروج. ضحك من لاحظ ذلك قائلا بأن ذلك البراءة.. لذلك خرج هؤلاء
وهم يتبسمون؛ فقد اعتقدوا بالفعل أنها البراءة..
وصل فضيلة القضاة.. الشرطي ينادي برقم القضية وباسم المتهم فينطق فضيلة القاضي بالحكم...
تأييد للأحكام المستأنفة.... يعني السجن....
حسبنا الله ونعم الوكيل.... هكذا يردد معظم الحضور بعد كل حكم ينطق به القاضي....
الأحكام السابقة كانت في الإعابة للذات السلطانية...
بدأ الشرطي ينادي بالأسماء مجتمعة هذه المرة ... عرفنا أنه للمتهمين في التجمهر وقطع الطريق..
نطق القاضي بصوت لم يسمعه أحد..
طلب الحضور من فضيلته رفع صوته..
تلعثم فضيلة القاضي..
نطق مرة أخرى لكن أيضا بصوت غير مسموع..
طلب الجمهور منه للمرة الثانية رفع صوته.
للمرة الثانية يتلعثم فضيلته..
ماذا كان النطق؟
يتحدث الجمهور للمرة الثالثة يطالب من فضيلته برفع صوته...
في المرة الأخيرة ينطق فضيلته بالحكم:-
إسقاط حكم قطع الطريق...
تثبيت تهمة التجمهر لستة أشهر، ودفع غرامة وهي (200) ريال..
هنا ضجت المحكمة بأصوات من الجمهور
بالاستنكار الشديد..
يتقدم أحدهم بصوت عالي جدا ليقرأ
بيتين من الشعر:-
إذا جار الأميـــر وحاجبـــــــــــــــــاه *** وقاضي الأرض أســــرف فـي القضــــاء
فويــل ثــم ويــــل ثم ويـل *** لقاضي الأرض من قاضي السماء
قال البيتين بصوت جلل يكاد يسمع من خارج البناية..
فضيلة القضاة خرجوا..
استمر في الحديث...
حتى الشرطة تركوه يتكلم بصوت عال جدا..
تأتي امرأة لتصرخ هي الأخرى في ذلك الحكم.. بالتأكيد هي والدة أحدهم...
حسبنا الله ونعم الوكيل....
خرج الجميع بعد ذلك، في حين استمر ذلك الصوت وهو ينزل من الدرج معبرا عن رأيه في الحكم قائلا بأن الفساد مازال مستمرا وأن القضاء لم يستقل...
في الختام......
غرب الوجه البشوش لبدر الجابري ولسعيد الهاشمي ولناصر الغيلاني ولمحمد الفزاري ولمختار الهنائي ولباسمة الراجحية ولبسمة الكيومية وللبقية....
فسوف يختفون عن الأنظار،، لن يكون هناك بدر الجابري ليحاورنا هنا بكل أريحية وموضوعية...
ولن يكون سعيد الهاشمي وسطنا في سيكند كاب يقيم الندوات والأمسيات الثقافية...
ولن يكون فلان وفلان وفلان....
سوف يختفون ستة أشهر بأكملها...
أولادهم بل وأمهاتهم بل وآبائهم بل وأخوانهم بل وأخواتهم بل وأصدقائهم سوف يكونوا بعدين عنهم إلا من سمحت لهم إدارة سجن سمائل بالزيارة....
لن نقول في هذه نهاية هذه المحاكمات إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل...
انتهــــــــــــــى