سبلة العماني
آمال مؤسستي الصغيرة اصطدمت باحتكار
شركاتنا العشر الكبرى في المعارض الدولية
نعم هو الواقع المُر الذي مررتُ به خلال محاولاتي الجادة والمتواصلة لتطوير شركتي الخاصة وبكل السبل المتاحة وحسب القوانين الاحتكارية الموجودة التي تحمي الشركات الكبرى وتمنحها كل التسهيلات والوكالات والدعم ، وأما المؤسسات والشركات المتوسطة فتصطدم بآلاف العراقيل والمطبات الواحدة منها تكفي لتكون قاصمة للظهر وتجعلك تفكر ألف مرة قبل أن تبدأ في أي مشروع مؤسسة تترزق منه أنت وأهلك وتغنيك عن الراتب الحكومي والعمل في القطاع العام ،،،
إليكم تجربتي ،،،
جاءتني فكرة لفتح مؤسسة لتجارة مواد بناء ، وبعد الدراسة وجمع المعلومات وتعيين موقع الشركة استخرتُ الله عز وجل وبدأت بإجراءات السجل التجاري واستئجار المحل الذي كلفني إيجاره وترتيباته من تأثيث وغيره عشرات الآلاف ، مع أنني لم اقترض بيسة واحدة لا من بنك التنمية ولا صناديق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وغيرها التي نسمع عنها كثيراُ في الإعلام والصحف والتي يصدق فيها المثل ( تسمع جعجعةُ ولا ترى طحنا ً ) ، وكذلك لم اقترض ريالا ً واحدا ً من البنوك التجارية الربوية ولله الحمد لقناعتي التامة بأنها محرمة في الشريعة الإسلامية ، مع العلم بأنني كذلك لست من الأغنياء وأصحاب الأموال ، لكن من يتقي الله يجعل له مخرجا ً ، جعلنا الله وإياكم من المتقين ،،،
بعدها حصلت على مأذونية لعدد ثلاثة موظفين وهو عدد حسب تخطيطي للمشروع ليس بكافٍ للبدء في المشروع ودخول السوق التي يحتكرها كبار التجار ولا يوجد منافس لهم ،
وبدأت ولله الحمد والمنة وتيسرت الأمور بعد أن كانت الأمور صعبة للغاية وخصوصا أول سنتين من بداية المشروع وبعد تكبدي للكثير من الخسائر أصبحت الأمور أفضل من ذي قبل ، وتجاوزت أصعب المراحل وهي المرحلة التأسيسية والإعلانية وكسب الزبون بالسمعة الطيبة والمصداقية والتعامل الحسن والجد والمثابرة والمتابعة ،،،
لتبدأ المرحلة الثانية الأصعب وهي الحصول على الوكالات التجارية لبعض المنتجات المحلية والعالمية ذات الجودة الجيدة والممتازة ومن المصانع مباشرةً لنصطدم بالوكيل الحصري لهذه المنتجات واضعا ً الأسعار حسب شروطه وبالأرباح التي يريدها وكيف يشاء ومتى شاء معتمدا ً على القوانين الصادرة من مؤسسات الدولة التي حمتهُ وساندتهُ وتركت له المجال ليضرب كل من حاول منافسته من قريب أو بعيد بيدٍ من حديد لا يستطيع بعدها القيام ،،،
والمصيبة في أن هذا الوكيل الحصري هو إحدى الشركات العشر الكبرى أو قد يزيد قليلا ً التي لم تترك شجر ولا حجر ولا مدر على وجه الأرض إلا ووضعت يدها عليه كوكيل حصري ليصبح المواطن البسيط والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تحت رحمته وسيطرته والله المستعان ،،،
وقبل أن اضرب لكم بعض الأمثلة التي حدثت لي شخصيا ً عندما سعيت جاهدا ً للحصول على وكالة لبعض هذه المنتجات ، فقد وصلت إلى المصانع مباشرة وعرفت أسعارها وقيمتها الحقيقية مع تكلفة الشحن والجمارك وحتى وصولها للمخازن في السلطنة ، وكانت فارق الأسعار كبيرة جدا ً بين تكلفتها حتى الوصول للمخازن وبين الأسعار التي يضعها الوكيل الحصري من الشركات الكبرى في السلطنة ووالله لقد ذُهلتُ وتفاجأتُ من الفارق الكبير ، ولو فُتح لي المجال من قبلهم كمؤسسة صغيرة أو قل متوسطة للحصول عليها مباشرة من المصنع لبعتُ العديد منها بنصف سعرها الموجود في السوق على الأكثر بل وربما أوصلتها إلى ثلث أو ربع القيمة حسب اختلاف أنواع المواد ،،،
لم أفوت على نفسي فرص حضور المعارض الدولية لمواد البناء وغيرها لوجود الآلاف من الشركات الجيدة والممتازة التي تعرض بضاعتها على الزبائن والمؤسسات من مختلف بلدان العالم ، ويتم التوقيع على العديد من الصفقات بمليارات الدولارات في هذه التجمعات التجارية وهي فرص للتجار ولأصحاب المؤسسات الناشئة والقائمة ،،،
فعلى سبيل المثال حضرت معرض دبي لمواد البناء ( البيج 5 ) في أواخر السنة الماضية ولم اترك منه مربعا ً ولا مترا ً ولا شركة إلا زرتها وعاينت منتجاتها سواء ما كان منها ما يتعلق بمواد البناء أو منتجات الخدمات اللوجستية أو غيرها ،،،
فهناك استوقفني منتجات مغاسل ومحابس (MIXERS&SHOWERS) عالية الجودة لشركة إيطالية وأسعارها مناسبة جدا ً مقارنة ً بجودتها وبسعرها الذي يباع في السوق العماني ، وبعد النقاش والاستفسار وتبادل البيزنس كارد والموافقة المبدئية بالحصول على وكالة غير حصرية طلب مني مندوب الشركة الإيطالية دقائق حتى يرد علي ، فانتظرت لدقيقتين أو ثلاث ليأتيني الرد الرسمي الشفهي بعد أن أجرى اتصالاته ومشاوراته السريعة قائلا ً بكل لباقة وبإبتسامة مشفقة : " نقدم أسفنا لك بعدم الموافقة على طلبك وذلك لوجود وكيل حصري لمنتجاتنا في سلطنة عمان وهي شركة كيمجي رامداس ..."
لتتحطم آمالي في الحصول على هذا المنتج مع يقيني التام بأنني في حال الحصول عليه مباشرة من المصنع فسأبيعه بنصف قيمته أو أقل في السوق ومستفيدا ً وبربح معقول بالإضافة إلى استفادة المستهلك المسكين الذي سيوفر نصف المبلغ في جيبه لولا احتكار شركة كيمجي رامداس وغيرها للوكالات الحصرية ....
مررتُ بعدها بشركة ألمانية متخصصة أيضا ً في منتجات المغاسل والمحابس وغيرها من المواد الصحية ذات الجودة العالية وعلى قولهم منتج الماني ، وتبادلنا الأرقام والفاكسات وأرسلت لهم قائمة أولية بالمواد التي نريدها ، ليأتينا الرد عبر الفاكس لاحقاً : " ... وكيلنا في سلطنة عمان هي شركة كيمجي رامداس ولا نستطيع بيعكم منتجاتنا لوجود الوكيل عندكم وبإمكانكم ارسال طلباتكم إلى الوكيل وستحظون بأسعار مناسبة ... مذيلا ً في نهاية ورقة الفاكس رقم هاتف وفاكس شركة كيمجي رامداس ..."
أخذتُ لفة أخرى لأصل إلى قسم عوازل الماء ( ووتربروف ) الذي يستخدم غالباً في أسطح المباني ، فوجدت شركة سعودية مشهورة بمنتجات العازل المائي وعرضت علي الأسعار وكانت أسعار مناسبة جدا ً بالمقارنة مع سعر هذا المنتج الذي تحتكره إحدى الشركات الكبرى في السلطنة ، وبعد تبادل البيزنس كارد وعرفوا أنني من عمان اعتذروا مني وقالوا لا نستطيع ان نبيعك مباشرة ً لوجود وكيل حصري لمنتجاتنا في سلطنة عمان وهي شركة بهوان لمواد البناء ،
ولولا الإطالة لذكرت أمثلة أخرى ،،،
فهذا هو الواقع الذي يمرُّ به كل صاحب مؤسسة متوسطة وصغيرة من احتكار الشركات الكبرى لأغلبية الوكالات ، ليجد نفسه ُ أمام عدة خيارات :
أولها : شراء هذه المنتجات من الشركات الاحتكارية بعد أن وضعت أرباحها أضعافا ً مضاعفة ليقوم هو لاحقا ً ببيعها للمستهلك وبسعر أغلى ليستفيد هو الآخر ويغطي تكلفة المصاريف من رواتب وإيجارات وغيرها ...
ثانيها : يُضطر مُرغما ً بتأجير محله للوافد الأجنبي ليساهم في زيادة معضلة التجارة المستترة،،،
ثالثها : إغلاق محله بعد تكبده الكثير من الخسائر ليدخل ضمن قائمة المديونين ،،،
من هنا أوجه ندائي للجهات الرسمية القائمة على تنفيذ قرارات دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالتالي :
1- فتح باب المنافسة في الحصول على الوكالات غير الحصرية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة .
2- منع نظام الوكالات الحصرية بشكل تام ولجميع المواد المستوردة .
3- معاقبة أي شركة ثبت حصولها على أية وكالة حصرية .
4- تعديل بعض القوانين التي ساهمت في احتكار أغلبية المواد والسلع من قبل هذه الشركات الكبرى .
5- إعطاء الهيئة العامة للمستهلك الصلاحيات الكاملة لمعرفة قيمة البضاعة المستوردة وحتى وصولها للمخازن لضبط المغالاة في أسعار المواد واحتكارها .وفي الختام ،،،
أقول لصناع القرار والمتصدرين إعلاميا ً لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ،،،
لا نريد قروضكم الربوية ،،،
ولا نريد دعمكم المادي ،،،
ولا نريد إجازة براتبٍ كامل ،،،
ولا نريد فرقعة إعلامية ،،،
الذي نريده منكم فقط تعديل القوانين والأنظمة لمنع الاحتكار والوكالات الحصرية للكثير من الماركات والعلامات التجارية والمواد السلعية وغيرها ،،،،
وتأكدوا بأنكم لو عدّلتموها فسنُنافس الشركات الكبرى
وبقوة وحتى لو بدأنا مشروعنا بريالٍ واحدٍ ،،،،
وأما إن لم تُعدٍّلوها فسنظلُ تحت رحمة الشركات الكبرى
والتجارة المستترة وحتى لو بدأنا مشروعنا بمليون ريال ،،،
،،،،، ودمــــتــــم بـــخـــيــــر ،،،،،