الثلاثاء، 1 يناير 2013

مقالة جميلة للكاتبة / عادلة عُدي ...بعنوان الحسد/ نشرت بجريدة الرؤية في تاريخ 2/يناير/2013

الأربعاء، 2 يناير، 2013

الحسد



تحدث الدكتور الكاتب مصطفى حجازي في كتابه "التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" عن العلاقات الاضطهادية التي تغذي العدوانية عند الإنسان المقهور ضارباً الحسد كمثال عليها، تلك العدوانية حين تتراكم تسقط على الغير، الذي يتهم بأنه سبب المصيبة، حين يتم تحديد مصدر العلة وأسبابها، وقد ذكر الكاتب على أن الحسد من النكبات التي تلم بالإنسان أو بذويه أو ممتلكاته، وتصيبه بالضرر، فالمحسود هنا يشعر بالامتياز عن الآخرين ( لتفوق أو فضل أو جاه) وبالتالي يشعر بارتفاع مكانته، وبالتالي تسقط المهانة الذاتية على الحاسد، فالمحسود بحاجة للحاسد لشعور بالامتياز من جانب، وحتى يتهرب من عدوانيتة الداخلية بصبها عليها ( هو صاحب النيات العدوانية لا الحاسد )، ويمارسها بعد أن اتخذت شكلا مشروعاً في الحسد. إذاً، إسقاط للشر الذاتي والنوايا العدوانية على الحاسد، إنه إسقاط لرغبة الإنسان المحروم في امتلاك دور المحفوظ، الحسد هو إسقاط الرغبة الذاتية الدفينة في سلب الآخر ما يتمتع به من حظ، وبالطبع المحظوظ الأكبر هو المتسلط المستغل، فالحسد أساساً يقوم على عقدة النقص والخواء الداخلي ومشاعر المهانة المرتبطة بها ومحاولات التنكر لها.
وقد ذكر الكاتب مصطفى حجازي العين على أنها الأداة الأساسية للحسد ( ضربة بالعين، الإصابة بالعين) وما يقابلها من استباق شرها وعدوانيتها في كلمة (يخزي العين- عين الحسود فيها عود) أمام كل حظ أو جاه أو وفرة في الرزق والصحة والجمال، فالعين الشريرة تدمر ما تحسده كي تمتلكه، في حالة النظر التملكي ( الامتلاك من خلال النظرة الراغبة للحاسد) ومن هنا انطلق الاعتقاد بخطورة نظرة الحاسد وقوتها التدميرية الرهيبة، إذ تكفي نظرة واحدة ملؤها الرغبة في الامتلاك كي تحل المصيبة بالموضوع المحسود، فالعين لها دور اساسي في مجتمع القهر والحاجة، كما أن الإنسان المقهور لا يستطيع التمرد على حرمانه ولا التعبير عن حقده ورغبته إلا بالاكتفاء بالنظرة الحاسدة المشتهية والمتمنية، فالعين تتحول هنا إلى كيان مستقل لها قوى خارقة تتمنى إبادة وتدمير ما يشعرها بغبنها وحرمانها، ويتحول الإنسان إلى عيون تلاحظ وتتابع وآذان تتقصى ولسان ينال بالنميمة والشتيمة، مما حال بينه وبين السعي لنيل قسطه من الخيرات وبقية مظاهر الرخاء والرفاه، وقد حاول الانسان المحسود استخدام ادوات تقية،  لتخبره من الذي حسده ( مثال عليه الشبه التي تحرق في النار وتمثل الحاسد) كطقوس سحرية تبعد العين الساحرة، وهي منتشرة كثيراً في مجتمعاً، تلك نظرة ثقافة مجتمع الإنسان المقهور للحسد بحسب ما أرودها الدكتور مصطفى حجازي، وأود أن أضيف أن الحاسد بحسب الثقافة في المجتمع ربما تظهر معه مشاعر الشماتة لما حدث مع المحسود المتضرر، لذلك فأن عدم رضا الحاسد عن وضعه ربما تولد لديه الرغبة بإلحاق سوء الحظ لدى المحسود في ثمرة الشماتة، بسبب عدم وجود المساواة في المجتمع لدى الافراد، وبالتالي يظهر مصطلح الحسد في مثل هذه المجتمعات كرغبة بوضع قوى وهمية اسطورية قد تنزل الغضب وتأثر بتلك الاوضاع للأسواء.
اعتبر برتراند راسل ( الفيلسوف الناقد الاجتماعي) أن الحسد القوة الدافعة نحو الحركة الديمقراطية من أجل نظام اجتماعي عادل، كنظرة ايجابية انتشرت لتأثير ثقافة الحسد على المجتمع، مما أدى تدريجيا إلى تلاشي مفهوم الحسد في المجتمعات المدنية الحالية، فقد وضعت دراسات علمية لثقافة الحسد في المجتمعات التي تفسر مثل هذه الثقافة من نظرة علمية واجتماعية ونفسية، مثال عليها نظرية  Socioevolutionaryالتي تبناها داروين حول النشوء والتطور، فبحسب هذه النظرية فأن البشر عند الحسد يتصرفون بطريقة تعزز بقاء الفرد وكذلك استنساخ الجينات الخاصة بهم، كمفهوم للسلوك الاجتماعي لدى الافراد، ومتجذرة في المحركات البيولوجية من أجل البقاء والتناسل، كما أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الحسد يغير في الواقع وظيفة الأدراك ويعزز الوظيفة العقلية والذاكرة كذلك، ذلك من حيث النوع الايجابي للحسد كقوة تحفيزية ايجابية، كما صنفه علماء النفس.
كما أن الحسد ذكر في الفلسفة على كونه نابع من وجود فراغ داخل النفس البشرية، ويكون فيها الحاسد أعمى عن إدراك ذلك الفراغ، فالحسد يؤدي غالبا إلى موجة عارمة من الغضب لدى البشر تؤثر من مقدرتهم على تحقيق السعادة الذاتية لهم، والعماء عن إدراك ذلك.
مما نلاحظه من فروقات في المجتمعات المدنية ومجتمعات الإنسان المقهور، أن مفهوم الحسد كنظرة خرافية قد تلاشى في المجتمعات المدنية التي اعتمدت على المنهج العلمي للأمور والتي تطبق فيها المساواة والديموقراطية بين أفراد مجتمعه، وما عاد هناك ذكر للحسد إلا من حيث العلاجات النفسية لتقلبات المشاعر لدى بعض الافراد، بعكس المجتمع المقهور الذي لا يزال تسيطر عليه خرافة العين الحاسدة كسبب للنكبات الصحية والجمالية والمادية التي قد تصيبه، وما عاد يدرك بالمسببات الواقعية، مما يجعله غير قادر على التعاطي الواعي للمدارك من حوله، فالمجتمعات المقهورة تخشى الصحة والجمال والجاه لعدم وجود ذلك التساوي بين افراده، وكعلاج لمثل هذه الحالات نحن بحاجة الوعي العلمي للأمور والتأثيرات الاجتماعية للفكر التي تؤثر على منطلقاتنا في الحياة وتساهم في تعزيز الثقة بين  جميع أفراد المجتمع، وتخلق التساوي التي هي أهم منطلقات المجتمعات المدنية.