الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

مقال جميل للكاتبة / عادلة غدي .. بعنوان / الصمت الممنهج


الأربعاء، 26 ديسمبر، 2012




الصمت هو عدم وجود صوت أو تواصل لفظي مسموع، كردة فعل يصدرها الإنسان لعدم الرغبة بالحديث بسبب الغضب أو عدم الاهتمام أو الاكتراث لشيء ما، وقد تكون كذلك لأسباب صحية مختلفة، كما للصمت أثر على الثقافة الإنسانية منذ بدء التاريخ، وقبل الكلام، حين كانت أول اشارة للصمت بوضع الأصبع على الفم والشفتين مطبقة كمطالبة للصمت وعدم الكلام أو من اجل الإنصات، وقد ورد في التاريخ كذلك أحداث أجبر فيها المتمرد على الصمت حينما كانت تعاقبه السلطات العليا في المجتمع بخياطة فمه اذا ما ارتفع صوته، بالإضافة فأن الصمت هو أهم أداة للمتأمل في الديانات والثقافات المختلفة.
والصمت أسلوب تعبيري للرغبة بالاستماع والإنصات حين تتلقى الأذن الموسيقى أو الحوار، وكذلك حين تتلقى المعلومات ( أثناء مراحل الدراسة)، أو من أجل العزلة والتفكير وتحرر الأفكار من التأثيرات الخارجية التي قد يحدثها الصوت، كما هناك الصمت التذكاري الجماعي الذي يكون لمدة زمنية محددة " دقيقة صمت مثلا" لحادثة مأساوية خلفت ضحايا، ولتكريمهم تعلن الجماعة الفترة الزمنية للصمت احتراما لأولئك الضحايا.
وهناك الصمت كتعبير فني، ومن أبرز الفنون الصامتة " التمثيل الايمائي" الذي يبرز فيها الفنان مقدرته على الاداء الحركي بدون الصوت، مثال عليه ( الكوميديا الصامتة ) الذي برع فيها الفنان العالمي شارلي شابلن، كما أن هناك من الفنانين من يعرض الفن الصامت في الشوارع أو المسارح لإظهار مقدرتهم الابداعية في إبراز القصة  بالحركات الجسدية والامتناع عن اصدار الصوت، وبالإمكان اعتبار فن الرسم من ضمن الفنون الصامتة التي تعبر عن ما بداخل الإنسان من عواطف أو أفكار بدون صوت.
وهناك من اعتبر الصمت فلسفة، حيث وضع الصمت في خانة الحكمة، كدعوة للجميع إلى التفكير والتأمل قبل الفعل أو الكلام، فالصمت هنا يجب أن يتبعه إدراك ووعي من أجل إيجاد حلول للمواقف الصعبة أو ردة فعل لما قد يحدث من قبل الآخرين من تهور أو شجار، وكذلك يعتبر الصمت نوعاً من أنواع العتاب والعقاب، حين لا يكون للحوار فائدة أو مجال أو حل، أو من أجل لفت الآخرين لوجوده في بعض الأحيان، فالصمت لغة حين لا يكون جدوى من الكلام.
وفي كل مجتمع ثقافة معينة تظهر مقدار حجم استيعاب شعوبها للمعارف وإدراك منطلقتها وأسبابها، ولثقافة الصمت أسباب مختلفة بحسب حاجة المجتمع إليها، وقد تصبح عادة تؤدي في الغالب إلى انتشار الفساد حين يكون الصمت متبوعاً بعماء الفكر والعين، وبالتالي انكسار الفرد وتهاونه عن البحث عن حقوقه ومصداقية الخبر، ففي الوقت الحالي ما عاد الصمت مجدي في سياسات  الشعوب والجماهير، فحين يصمت الشعب تزداد الانتهاكات التي تفقد الحقوق والحريات وتظلل الحقائق، وتصمت الثقافة عن اداء دورها المخول لكشف تلك الانتهاكات وتبتعد عن الموضوعية في كشف الاخطاء والفساد، ويغوص المجتمع في بحر من عدم الشفافية الذي سببه الصمت عن معرفة ما يدور من مجريات الأمور حوله، وكلما ازداد صمت الشعب وتكاسل عن الرغبة بمعرفة الحقائق كلما انتشر وازداد في المجتمع الكذب والإشاعات التي تؤدي إلى زعزعة أمان المواطن والوطن، كما يزداد في هكذا مجتمع السرقات والتجاوزات والاعتداءات حين يكون الصمت حجة، فلا يكون لدى الافراد الرغبة بمعرفة الاسباب والمسببات التي أدت إلى مثل هذه الانتهاكات وهذا الفساد بين أروقة السلطة الحاكمة.
وصمت الشارع العربي علامة الإنسان المقهور المخروس عن حقوقه، المعطل عن تنمية قدراته الوظيفية، الجائع إنسانياً، المتربي على الصمت وعدم الكلام أو النقاش أو الانتقاد في حضور الأكبر منه مكانيا وعمريا، فصمت المواطن عن حقوقه يؤدي إلى شيوع حالات انتهاك القانون وضياع الحقوق من قبل الرؤوس الكبيرة في المجتمع، حين تضيع الشكوى في حنجرة الضعيف منها، كما أن هذا الصمت القمعي يهدف إلى تخدير الفكر وصولاً إلى تسليم للمتسلط بسلطته، باعتبارها أمراً خارج التساؤل والنقاش، وبالتالي قد تظهر جماعة متسلطة تستفيد من الصمت القمعي الذي اجبر الناس عليه في المجتمع، باحتكارهم حق تأويل النصوص الدينية ويتحكمون بسلوك العباد تحليلاً وتحريماً، ويكون الإنسان في هذه الحالة في مأزق وجودي حيث لا يبق له سوى الاستسلام والانكسار والانحسار بصمت في المجتمع.
وكل ما نحتاج إليه هو تنمية الفكر الباحث عن مواطن الخلل في المجتمع، وذلك عبر المؤسسات الاعلامية التي هي الطريقة التي توصل صوت المواطن وليست أن تستفرد بكونها صوت المواطن، ومعاملة حقوق المواطن بكونها مواطنة وليست من كونها قبلية أو مذهبية، ونشر الوعي الحقوقي القانوني للمواطن، والبحث عن الشفافية في المؤسسات الحكومية، والمسائلة عنها، وكي نعيد التوازن في المجتمع وكسر الصمت لدى أفراده يجب تعزيز الثقة والمطالبة بالتنمية المشتركة بين الجميع، وتفعيل الممارسات الديمقراطية الفعلية في المؤسسات الحكومية، وحق النقد والتعبير في الصحافة والكتابة، كما من الجيد وجود لجان تحاسب التجاوزات والاعتداءات التي تطول الوطن والمواطن، ما نحتاج إليه فعلاً ثورة ضد الصمت الممنهج وفتح باب الحوار والحديث مع الجميع بدون تميز، وتنمية واستيعاب جميع الثقافات في المجتمع.


 نشر بجريدة الرؤية بتاريخ 26/ ديسمبر/2012