الأحد، 30 ديسمبر 2012

مجلة الفلق الإلكترونية / سما عيسى / في أدب السجون العماني… ياسمينٌ على الغياب” لسعيد بن سلطان الهاشمي أنموذجاً ” الجزء (١)



سما عيسى

عن الكاتب: سما عيسى

. . . .
.

 تكبير الخط تصغير الخط
-1-
كان وما يزال السجن مثلما كتب الدكتور محمد حور” أحد الأسلحة الفتاكة التي استثمرتها الأنظمة أسوأ استثمار ، لقمع القوى المعارضة وكسر شوكتها . ولم يكن هناك فرق أو تمييز بين حزب وآخر ، بل إن الجميع اكتوى بنار الأنظمة وسوط عذابها”
هذه المؤسسة التي توصل ميشيل فوكو في دراسته : التأديب والعقاب : نشوء السجن ، إلى أن تاريخها مرتبط ارتباطا وثيقا بالايدلوجية المهيمنة وتكنولوجيا التسلط والمنظور السائد للجسد، وبربط تاريخي وتفصيلي يبين الباحث كيف تضافرت العوامل لتنشئ السجن بوصفه مؤسسة ، كتبت فريال جبوري غزول ” فوكو يقرأ جسد السجين باعتباره علامة يؤلها في سياق التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي الفكرية والفلسفية وأثرها على نظام السيطرة ، فمن احتفاليات الإعدام وطقوس التعذيب العلنية إلى سرية التأديب وإقصاء الخارجين على السلطة ، نجد نقلة من الانتقام إلى الاستعباد ومن التحطيم إلى التدجين ، وهذا ما أدى إلى انشاء مؤسسة تأديبية تضمن احتواء العناصر التي لا تتجانس مع رؤية السلطة للمجتمع ، السجن إذن آليه من آليات حجز المختلف لغرض تطبيعه أو تصفيته.
وما نحدده باختلاف الأزمنة زمن عن آخر ، عندما يلعب هذا العامل المحوري الدور الهام في اختلاف التعامل مع السجين ، معتمدا ذلك على تطور المؤسسة القمعية ودرجة وحشية القائمين عليها ، فضلا عن درجة المواجهة وحدتها بين السلطة والمعارضة.
نعطي لذلك حالتين متناقضتين حدثتا في أزمنة متقاربة بعمان وما أدى إلى تناقض التعامل مع المساجين طبقا لاختلاف نوعية الحكام ودرجات الصراع واحتدامه.
1- سبب موت الإمام الوارث بن كعب – تولى الإمامة في 179 هجرية وتوفى في 192هجرية، أنه غرق في سيل وادي كلبوه من نزوى وغرق معه سبعون رجلا من أصحابه ، وذلك أنه كان سجن للمسلمين بنزوى عند سوقم مائل ، والسوقم شجر معروف ، وكان في السجن أناس سجنوا بأمر الوارث فأمر بإطلاقهم فلم يستطع أحد أن يمضي إليهم خوفا من الوادي ، فقال لهم الإمام : أنا أمضي إليهم إذ هم أمانتي وانا المسئول عنهم يوم القيامة ، فمضى إليهم و اتبعه ناس من أصحابه فمر بهم الوادي فحملهم مع المحبوسين فمات الوارث في غصين شجرة ، وقبره بعد أن جف الوادي بين العقر وسعال من نزوى ، وقبره هناك مشهور كمزار معروف إلى الآن.
2- الإمام عزان بن تميم يسبق الحبيب العدلي ألف عام في استغلال المساجين لتحقيق أهدافه السياسية ، هذا نموذج بائس يتناقض جذريا مع النموذج السابق للإمام الوارث ، فما حدث أن عزان بن تميم (تولى الإمامة في 277 هجرية وكان مقتله على يد محمد بن بور قائد الخليفة العباسي المعتضد في 280 هجرية ).
ما حدث أن عزان بن تميم جاء في زمن صراعات محلية وخارجية ، وإمامته قامت على أنقاض حرب دامية ذات بعد طائفي محلي تجسد في معركتي الروضة بتنوف ومعركة الرستاق .. كتب ابن رزيق ” لبث موسى وعزان وليين لبعضهما البعض – يقصد القاضي الشيخ موسى بن موسى –  ما شاء الله من الزمان حتى وقعت بينهما المحن ، فعزل عزان موسى عن القضاء وتخوف عزان من موسى فعاجله بجيش أطلق به كافة المسجونين ، فساروا إلى إزكي ودخلوا حجرة النزار ، وطفقوا يقتلون من فيها ويأسرون وينهبون …إلخ”.
أخيرا أسوق نموذجا مأساويا لسجين عماني أعدم في عام 1973م. كان الحكم عليه من المحكمة المشكلة خصيصا للنظر في قضايا المعتقلين السياسيين آنذاك بالسجن اثنتي عشر عاما، عندما احتج السجين غاضبا على قساوة الحكم ، أدخل الرئيس الحقيقي للمحكمة الميجر تيم لندن، الذي فاجأه بأنه بناء على احتجاجه وعدم رضاه على حكم الاثنتي عشر عاما قررنا رفع درجة العقوبة إلى الإعدام ، وأعدم السجين السابق فقط لاحتجاجه على قساوة الحكم. ذلك نموذج مأساوي فقط للتدليل على كيف يتلاعب السجان بأوراح المسجونين ومصائرهم طبقا لهواه ومزاجه.
-2-
أهمل العمانيون كثيرا ما نعرفه بأدب السجون ، رغم كثرة فقهائهم وشعرائهم الذين سجنوا على مدار التاريخ لأسباب سياسية ، ولا يجد القارئ المتابع مبررا لذلك ، خاصة وانهم كتبوا في الحرب والحنين والحب والتصوف والموت …. ألخ إلا أن أدب السجون ظل خافتا..
تكتب فريال جبوري غزول عن سبب بروز جنس أدبي أو انزواءه ” في مجتمع ما يرتبط بتركيبة معقدة من الرصيد التاريخي والثقافي وأنظمة العمل والإنتاج وأنساق الوعي والسلوك فالنقاد اليوم لا يتحدثون عن تراتب الأجناس الأدبية بين راقية ووضيعة ، متحضرة وبدائية ، انما عن تفاوتها وتباينها وتعددها في الثقافات المختلفة ” أجد أن أهم الأجناس الأدبية التي اهتم بها العمانيون فضلا عن الشعر هو كتابة السير الذاتية والعامة ، مثلما هو الأدب الأمريكي فإن الجنس الأدبي السائد هو شعر الاعترافات ، هكذا نجد الفوارق حقا تولد اختلاف الجنس المنتشر عن غيرة ، لكننا مع هذه الندرة في أدب السجون العماني نقف على رغم قلتها تؤسس لكتابة جديدة ومغايرة أهمها في الأدب الكلاسيكي العماني قصائد الشيخ سليمان بن أبي العرب السليماني ، الذي سجن في حصن سمائل مدة طويلة من الزمن وضمن قصائده تحقيقه لمخطوطة ديوان الشاعر راشد الحبسي . إلا أن الأهم بعده كتاب الحيران في أحوال عمان للشيخ سعيد بن حمد الحارثي ، والذي وثق فيه تجربته في سجن الجلالي ، عندما اعتقل في ستينيات القرن الماضي ثم الكتاب المتميز قصائد ورسائل الشيخ ناصر بن راشد المنذري في سجني الجلالي والرميس ، والذي قام مشكورا بتحقيقه الدكتور راشد بن عبدالله السيابي . أما في الأعوام الأخيرة فقد نشر القاص أحمد المعشني مجموعته القصصية “دثار” والتي كتب معظم نصوصها في سجن المنومة أبان اعتقاله منتصف تسعينيات القرن الماضي ، بعده كتب الشيخ عبدالله العبري ” إشراقات الروح” أبان اعتقاله عام 2004م.. أرجئ الكتابة عن مجموعتي المعشني والعبري لدراسة لاحقة وأقدم هنا قراءة أعرف بها بعملي الحارثي والمنذري ، بغية ربط عقد الحبل الواحد بين تجارب الماضي والحاضر والمستقبل والتي هي تجربة نضالية واحدة حتى مع اختلاف منابعها وطرق جريانها.