الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

الرائع إبراهيم سعيد يكتب مقال جميل.... بعنوان / معتقل بقضية وطنية / سلطنة عمان .. صحيفة البلد


معتقل بقضية وطنية








إليها وهي حياة التراب

إبراهيم سعيد
1.
هل وطنية القرن الحادي والعشرين وطنية ما بعد الحداثة؟ أم نفسها وطنية الحداثة؟
2.
أن تحب وطناً وأرضاً: أن تحب مكاناً وزماناً، وتسعى بكلّ نأمةٍ فيك، وكل عرق، للتعبير عن ذلك الحُب، بإظهار مشاعرك وخوفك على حاضره وغده أكثر من غيرك، تنصاع بالمسئولية التي تحركك، شئت أم أبيت، وأنت لا تملك إلا الانصياع لها. مهما كان الطريق خطراً وشائكاً ومؤلماً، لك ولمن تحب ولمن يحبك، لكنك من أجل الوطن الذي رهنته دمك، تمشي على الشوك والجمر: تسيرُ من معتَقلٍ سجانهُ لطيفٌ ويشعر بك، إلى معتَقلٍ سجّانهُ جاف لا يشعر تجاهك إلا بالحقد، لأنك تمثل نقيضهُ التام: حين ينصاع هو ويأتمر للأوامر العليا باعتبار ذلك هو حب الوطن والأمانة والمسئولية الوطنية، تفكر أنت وتحلل وتعترض على الأمر الخطأ، وتسجل موقفك بحياتك وحريتك، باعتبار أن تلك هي الأمانة والمسئولية الوطنية وذلك هو تعبيرك عن الحب الوطني الحقيقي.
3.
أبوك يستحلفك، أمك تستعطفك، أخوك ينهاك، أختك تخاف عليك، زوجتك تترجّاك، يسترحمك أطفالك، صديقك يزجرك، خوفاً عليك، لكن ترى خلف الخوف، خلف الظواهر والأشكال روحاً منيرة مختلفة، تسمع صوتها ينبعث من دواخلهم يشدّ على يديك، يؤكد لكَ أنكَ على طريق العشاق، يُخبركَ أنّك عاشقُ وطنٍ محكومٌ عليهِ في اللوح المسطور الذي تعرفهُ الأرواح أن تعشق بكلّ قوةٍ وطناً، وتخاف عليه وتبني كل ما فيهِ من حبٍ بكلّ ما فيكَ من حُب: صيانةٍ ورعايةً لكلّ أبوة وأخوةٍ وزوجيّةٍ وصداقة، عشقاً على شرف رحِمِ الدمِ الوطنيّ كله.
4.
من أجل ذلك الوطن الذي ترى فيه حياتك تطلبُ أفضلَ المعرفة، تسعى لأخْيَرِ الفهم، تبحثُ عن أقصى العدالة، وتصلي كثيراً إلى الله كي يشعر كل من يمشي على التراب بمدى حُبك وإخلاصك، بأي ثمنٍ تبرهنُ على هذا الحب وذلك الإخلاص لوطنك بأكمله. لمن يعرفُ ولمن يجهل، لمن باع حبهُ لوطنه بالمغريات أو بالأحقاد، بالعلمِ أو بالجهل، بالعمدِ أو بالخطأ، بالمعرفةِ أو بالخداع.
5.
كم سيطول هذا الدرب عليك يا أبي، يا أمي، يا أخي، يا أختي، يا ابني، يا ابنتي، يا حبيبي، يا حبيبتي، يا صديقي، يا صديقتي؛ حتى تشعر هذه العائلة الكبيرة من الناس أنّك لستَ إلا عاشقاً، وأنك مدفوعٌ بهذا العشقِ الأرضيّ من الأقدار رغماً عنك، رغماً عن كل شيء!
6.
لا عليك، لا عليك؛ هذا عالمٌ تعوّدَ كثيراً أن يظلم العشاق، وأن يتهمهم بالظنون، لا عليك أنت العاشق الذي يتلذذ بآلامه ويحيلُ جراحهُ لأدوية، لا عليك، أنت العاشق وقد استبدّت عليك المعشوقة، لا عليك، أنت المؤذن الأول في أقدارهِ يصرخُ تحت سياطِ سيّد التأديب: أحدٌ أحَد.. بداية لعثمته بأذان الحق.
7.
هل قامت محكمة الأرض؟
إنهُ حُبٌّ أيها السادة القضاة، أيها السادة المستشارون، أيها السادة المحامون، يا سادة الإدعاء العام، أيها السادة الحضور، إنهُ حبٌ وهذه كلها آثار العشق، فإن شككتم في مشاعركم فاسألوا أي طبيبٍ شئتم في الأرض أو في السماء.
8.
جابَ البلادَ طائرٌ من المياه، حطّ على القمم، تركَ آثارهُ البيضاء تلوح علماً على أكبر جبال الشمس، وحلقَ في الأعالي البعيدة مرفرفاً كسحابة العلم.
إبراهيم سعيد