11 آذار 2013
حين انطلقت الحركة الاحتجاجية في عمان في 17 يناير 2011، ثم في 18 فبراير 2011، كان تعامل السلطة معها مزيجا من الاستخفاف بمدى تأثيرها على الشارع العماني، ومن محاولة الاستيعاب لاقناع الشعب بأن الحكومة مع تدوير عجلة الإصلاح بالفعل. لذلك وحينما صدر عدد من المراسيم في 26 فبراير والتي كانت أول ردة فعل رسمية على وثيقة المسيرة الخضراء 2 والتي أقيمت مظاهرتها في 18 فبراير 2011، سادت خيبة أمل كبيرة في الشارع العماني ومنظمي المسيرة، لا سيما وأن المراسيم السلطانية التي صدرت آنذاك لم تتعد نقل وزير من منصب الى آخر، وقد وصفها يومها المحتجون بـــ"لعبة الشطرنج".
ولكن، حين انطلقت المظاهرات في صحار وصلالة يوم 25 فبراير 2011، وتطوّر الأمر في صحار إلى اشتباكات أمنية بين المتظاهرين وقوات الأمن العماني في إثر اعتقال عدد من المعتصمين في دوّار الكرة الأرضية فجر 26 فبراير، ذهل الشارع العماني ازاء قوة هذه المواجهات، بحيث كشفت السلطة بأنها ما تزال تؤمن بمبدأ: العصا والجزرة! وأن الحل الأمني لقمع المتظاهرين هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة إياها.
احتدم الحراك أكثر يوم 27 فبراير، وتم اطلاق النار على المتظاهرين، وسقط قتيل وعدد من الجرحى، وغضبت صحار يومها، وشهدت يوما ناريّا، قام فيه الشباب بحرق عدد من المركبات والمباني، من ضمنها بيت والي صحار! وكان ذلك ردة فعل على مقتل الشاب العشريني عبدالله الغملاسي والذي أشرنا اليه في الحلقة السابقة.
يومها، أدرك السلطان، والقائمون معه على إدارة البلاد خطور الوضع، وأن الشباب الذي وقف أمام القوات الأمنية ولم يرهبها لم يكن له شيء يخسره، فشهد شهر مارس اصدار عدد من المراسيم أبرزها المرسوم الذي نص على توفير 50 ألف وظيفة، مع توفير راتب مؤقت لكل باحث عن عمل مسجل لدى وزارة القوة العاملة لا يتعدى الــ150 ر.ع (390$). وفي 7 مارس 2011، صدر مرسوم سلطاني قضى بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، مع تغيير عدد منهم هم: علي بن ماجد (وزير المكتب السلطاني) وأحمد مكي (وزير الاقتصاد الوطني ) ومقبول علي سلطان (وزير التجارة والصناعة) وخميس العلوي (وزير الإسكان) ومالك سليمان المعمري (المفتش العام للشرطة والجمارك) وعلي بن حمود البوسعيدي (وزير الديوان والبلاط السلطاني) ويحيى السليمي (وزير التربية والتعليم). كما نص المرسوم على وجوب اختيار خمسة وزراء للدولة من مجلس الشورى، مع العلم، أن مجلس الشورى لم يكن يتمتع بصلاحيات هامة قبل صدور المرسوم السلطاني في أكتوبر 2011، بحيث كان دوره شبيها بدور المجالس البلدية في البلدان الأخرى. كما صدر مرسوم بزيادة طفيفة على رواتب موظفي الخدمة المدنية (الموظفين المحسوبين على الحكومة في كافة القطاعات)، ومرسوم آخر بتوسيع عدد الطلبة من مخرجات الشهادة العامة (الثانوية العامة)، ليصلوا إلى ما يقرب 30 ألف طالبا وطالبة يدرسون على نفقة الحكومة كل سنة.
ولكن ما أثار الجدل آنذاك بشكل خاص أمران:
الأول، صدور مرسوم بتشكيل لجنة تضم قانونيين وأكاديمين ومختصين من أجل النظر في صلاحيات مجلس الشورى التشريعية والرقابية، على أن لا تزيد فترة وضع المسودة من قِبل هذه اللجنة عن 30 يوما بعد تشكيلها. ولكن ما حدث لاحقا وفق ما نذكره فيما بعد، أن السلطان حدد هذه الصلاحيات بشكل انفرادي من دون تشكيل هذه اللجنة المعلن عنها.
والأمر الثاني، صدر في 3 مايو 2011 عدد من المراسيم الآيلة الى تعزيز القبضة الأمنية على نحو يسوغ لها التحكم في مجريات الأمور ومن أبرز الاجراءات المتخذة في هذا الصدد تعديل قانون الاجراءات الجزائية في عدد من مواده وفقا للآتي:
-تعديل المادة رقم (4): إعطاء الأمن العام صلاحية التحقيق في الجرائم التي تقع على أمن الدولة إضافة إلى الجرائم التي ورد ذكرها في قانون مكافحة الإرهاب على أن يتم ذلك بالتنسيق مع الإدعاء العام.
-المادة 31 البند رقم 3: إعطاء ضباط جهات الأمن العام صفة الضبطية القضائية إضافة إلى الرتب النظامية الأخرى ابتداء من رتبة جندي. وهو ما يتيح لأي جندي اعتقال أي مواطن تحت أية تهمة لفترة 15 يوما قبل تحويله للتحقيق أو المحاكمة.
-تعديل المادة (50): بما يفيد التمييز بين الجرائم الواقعة على أمن الدولة والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب وسائر الجرائم الأخرى: فبالنسبة للأولى يحال المتهم إلى الإدعاء العام المختص خلال خمسة عشر يوما، وبالنسبة للثانية خلال ثمانية وأربعين ساعة، مع التنصيص على أنه لا يجوز تجديد تلك المدد إلا لمرة واحدة ولفترات مماثلة بعد موافقة الإدعاء العام.
-تعديل المادة (141): سابقا كان يتحدد الإختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه. أما بعد التعديل، فقد منح وزير العدل صلاحية بإحالة الدعوى العمومية إلى أي محكمة يريدها شريطة أن يكون ذلك بناء على طلب من المدعي العام.وقد أثارت المواد التعديلات أعلاه لغطا لدى عدد من الناشطين والقانونيين، الذين رأوا فيها لبنة قانون طوارئ مقنع، من شأنه أن يفتح الباب أمام الكثير من التجاوزات القانونية بحق المواطنين، بحيث يكون بإمكان السلطة الأمنية تسخيرها في أي عملية قمعية.
ومع ازدياد الارتياب من قبل الناشطين الحقوقين والكتاب والمدونين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، من تأخر الاصلاحات السياسية التي كانوا في انتظارها، خاصة الاصلاحات السياسية، بما يتعدى مسألة تغيير اسم واستبداله بآخر في جسم الهيكل الوزاري، صدر مرسوم سلطاني آخر في 9 أكتوبر (95/2011) باستبدال نص المادة 26 في قانون المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم السلطاني 49/1984 من قانون المطبوعات والنشر، بنص آخر فضفاض يتيح للسلطة الأمنية التدخل في العمل الصحفي والنشر العام، والتقبض على أي مواطن يمارس نشاطا حقوقيا أو ينتقد عمل السلطة. فقد نصت المادة في صيغتها الجديدة على: "حظر نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي أو الخارجي وكل ما يتعلق بالأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمتها ولوائحها الداخلية وأية وثائق أو معلومات أو أخبار أو اتصالات رسمية سرية سواء أكان النشر من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال استخدام شبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات إلا بإذن من السلطات المختصة".
وبعد فترة قصيرة، وتحديدا في 18 أكتوبر، صدر عدد من المراسيم، أحدها تعلّق بمنح مجلس الشورى عدد من الصلاحيات التي اقتصر غالبها على الصلاحيات الاستشارية، وعلى تقديم توصيات فيما يخص موازنة الدولة، من دون أن يكون مجلس الوزراء مقيدا أو ملزما بأي منها. أما صلاحيته باستجواب الوزراء، فهي تفترض لممارستها طلبا صادرا عن 15 عضوا من مجلس الشورى، علما أنه ليس للمجلس بأية حال استدعاء أي وزير من الوزارات "السيادية"، وهذه الوزارات هي المالية والنفط والخارجية والدفاع. بالمقابل، لم يعر المرسوم السلطاني أي اهتمام للمطالب التي عبرت عنها احتجاجات فبراير ومارس 2011 لجهة اعطاء المجلس صفة تمثيلية للشعب وتاليا صلاحية وضع التشريعات وتعديلها، فضلا عن صلاحية تغيير الوزراء الذين يثبت له قيامهم باستغلال مناصبهم أو باختلاس أموال عامة أو أيضا فشلهم في أداء مهامهم.
كما صدر مرسوم آخر في 30 أكتوبر بإنشاء مجالس بلدية منتخبة. فقد كانت المجالس البلدية سابقا عبارة عن مديريات ودوائر تقوم الحكومة بتعيين موظفين فيها، مما يجعلها مؤسسات ملحقة بالحكومة وخاضعة لها، وهذا ما اختلف جذريا مع انشاء مجالس بلدية يكون أعضاؤها منتخبين من قبل سكان كل ولاية، على أن تتبع هذه المجالس المحافظ العام لكل منطقة أو الوالي. ولكن، ورغم هذا التعديل الجوهري في كيفية اختيار أعضاء المجالس، فان دورها بقي محصورا في ابداء الآراء في المجالات التنموية والتطويرية والتي حصرت في: اقتراح انشاء المدارس والمباني والشوراع مع وضع تصورات ومقترحات لتنظيم الشأن العام للحياة الاجتماعية لكل ولاية..إلخ. ورفع التقارير أو المقترحات للجهات العليا التي تتبعها.
ولكن عند الامعان بهذه الإصلاحات السياسية، سرعان ما نلاحظ أنها لا تعدو كونها في غالب الأحيان "جرعات تخديرية" لا أكثر: فالسلطان هو السلطان بالمعنى الكلي للكلمة وهو رئيس الوزراءحسب المادة 41 من النظام الأساسي للدولة منذ ديسمبر 1971 بعدما قام بعزل عمه طارق بن تيمور عن رئاسة الوزراء لأسباب غير معلومة،وهو تاليا المتحكم في سير عدد كبير من الوزارات. ولا زالت البلاد حتى اليوم من دون ولي عهد، والدستور المعتمد في البلاد هو النظام الأساسي للدولة الذي وضع بجهود فردية من السلطان نفسه بموجب مرسوم سلطاني صدر في 1996 وهو يولي السلطان الصلاحيات المطلقة في التشريع وسنّ القوانين وإصدار المراسيم دون أيّة مرجعية تشاركه أو تقيده في أي منها.كما أن السلطان هو بموجب هذا النظام القائد الأعلى للقوات المسلحة والشرطة والقضاء الأعلى.. إلخ. وفي الاتجاه نفسه، يبقى الملف المالي للدولة ومعه مداخيل السلطان من هذه المالية تحت غطاء سرية تامة. فلا أحد يعرف على أي أساس توضع الميزانية العامة السنوية للدولة، أو حتى تفاصيلها، بل تقتصر المعرفة العامة على الرقم الذي يتم الاعلان عنه في بدء كل سنة كموازنة عامة للسلطنة.
وبالنظر الى كل ما تقدم، لا نخطئ اذا قلنا أن أي اصلاح في مؤسسات الدولة (مجلس الشورى والمجالس المحلية) مهما كان محدودا قابله تعزيز للقبضة الأمنية واجراءات هامة لتحصين هذه القبضة مهما تعسفت ازاء أي نقد. وفي موازاة ذلك، بقيت صلاحيات السلطان التشريعية والتنفيذية والعسكرية شبه مطلقة، وهي بطبيعتها لا تقبل أي نقد تحت طائلة تحريك ملاحقات "الاعابة". فكأنما السلطة تستمد من هذه الاصلاحات المحدودة جدا حجة لا تقبل النقاش بتجريد أي اعتراض من مشروعيته، فلماذا المعارضة طالما أن نواياها الاصلاحية (نوايا السلطان) لا تترك محلا للشك؟ أمام نوايا مماثلة، الأجدر بالناشطين أن يقفلوا الى القمقم.
ولكن، حين انطلقت المظاهرات في صحار وصلالة يوم 25 فبراير 2011، وتطوّر الأمر في صحار إلى اشتباكات أمنية بين المتظاهرين وقوات الأمن العماني في إثر اعتقال عدد من المعتصمين في دوّار الكرة الأرضية فجر 26 فبراير، ذهل الشارع العماني ازاء قوة هذه المواجهات، بحيث كشفت السلطة بأنها ما تزال تؤمن بمبدأ: العصا والجزرة! وأن الحل الأمني لقمع المتظاهرين هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة إياها.
احتدم الحراك أكثر يوم 27 فبراير، وتم اطلاق النار على المتظاهرين، وسقط قتيل وعدد من الجرحى، وغضبت صحار يومها، وشهدت يوما ناريّا، قام فيه الشباب بحرق عدد من المركبات والمباني، من ضمنها بيت والي صحار! وكان ذلك ردة فعل على مقتل الشاب العشريني عبدالله الغملاسي والذي أشرنا اليه في الحلقة السابقة.
يومها، أدرك السلطان، والقائمون معه على إدارة البلاد خطور الوضع، وأن الشباب الذي وقف أمام القوات الأمنية ولم يرهبها لم يكن له شيء يخسره، فشهد شهر مارس اصدار عدد من المراسيم أبرزها المرسوم الذي نص على توفير 50 ألف وظيفة، مع توفير راتب مؤقت لكل باحث عن عمل مسجل لدى وزارة القوة العاملة لا يتعدى الــ150 ر.ع (390$). وفي 7 مارس 2011، صدر مرسوم سلطاني قضى بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، مع تغيير عدد منهم هم: علي بن ماجد (وزير المكتب السلطاني) وأحمد مكي (وزير الاقتصاد الوطني ) ومقبول علي سلطان (وزير التجارة والصناعة) وخميس العلوي (وزير الإسكان) ومالك سليمان المعمري (المفتش العام للشرطة والجمارك) وعلي بن حمود البوسعيدي (وزير الديوان والبلاط السلطاني) ويحيى السليمي (وزير التربية والتعليم). كما نص المرسوم على وجوب اختيار خمسة وزراء للدولة من مجلس الشورى، مع العلم، أن مجلس الشورى لم يكن يتمتع بصلاحيات هامة قبل صدور المرسوم السلطاني في أكتوبر 2011، بحيث كان دوره شبيها بدور المجالس البلدية في البلدان الأخرى. كما صدر مرسوم بزيادة طفيفة على رواتب موظفي الخدمة المدنية (الموظفين المحسوبين على الحكومة في كافة القطاعات)، ومرسوم آخر بتوسيع عدد الطلبة من مخرجات الشهادة العامة (الثانوية العامة)، ليصلوا إلى ما يقرب 30 ألف طالبا وطالبة يدرسون على نفقة الحكومة كل سنة.
ولكن ما أثار الجدل آنذاك بشكل خاص أمران:
الأول، صدور مرسوم بتشكيل لجنة تضم قانونيين وأكاديمين ومختصين من أجل النظر في صلاحيات مجلس الشورى التشريعية والرقابية، على أن لا تزيد فترة وضع المسودة من قِبل هذه اللجنة عن 30 يوما بعد تشكيلها. ولكن ما حدث لاحقا وفق ما نذكره فيما بعد، أن السلطان حدد هذه الصلاحيات بشكل انفرادي من دون تشكيل هذه اللجنة المعلن عنها.
والأمر الثاني، صدر في 3 مايو 2011 عدد من المراسيم الآيلة الى تعزيز القبضة الأمنية على نحو يسوغ لها التحكم في مجريات الأمور ومن أبرز الاجراءات المتخذة في هذا الصدد تعديل قانون الاجراءات الجزائية في عدد من مواده وفقا للآتي:
-تعديل المادة رقم (4): إعطاء الأمن العام صلاحية التحقيق في الجرائم التي تقع على أمن الدولة إضافة إلى الجرائم التي ورد ذكرها في قانون مكافحة الإرهاب على أن يتم ذلك بالتنسيق مع الإدعاء العام.
-المادة 31 البند رقم 3: إعطاء ضباط جهات الأمن العام صفة الضبطية القضائية إضافة إلى الرتب النظامية الأخرى ابتداء من رتبة جندي. وهو ما يتيح لأي جندي اعتقال أي مواطن تحت أية تهمة لفترة 15 يوما قبل تحويله للتحقيق أو المحاكمة.
-تعديل المادة (50): بما يفيد التمييز بين الجرائم الواقعة على أمن الدولة والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب وسائر الجرائم الأخرى: فبالنسبة للأولى يحال المتهم إلى الإدعاء العام المختص خلال خمسة عشر يوما، وبالنسبة للثانية خلال ثمانية وأربعين ساعة، مع التنصيص على أنه لا يجوز تجديد تلك المدد إلا لمرة واحدة ولفترات مماثلة بعد موافقة الإدعاء العام.
-تعديل المادة (141): سابقا كان يتحدد الإختصاص بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه. أما بعد التعديل، فقد منح وزير العدل صلاحية بإحالة الدعوى العمومية إلى أي محكمة يريدها شريطة أن يكون ذلك بناء على طلب من المدعي العام.وقد أثارت المواد التعديلات أعلاه لغطا لدى عدد من الناشطين والقانونيين، الذين رأوا فيها لبنة قانون طوارئ مقنع، من شأنه أن يفتح الباب أمام الكثير من التجاوزات القانونية بحق المواطنين، بحيث يكون بإمكان السلطة الأمنية تسخيرها في أي عملية قمعية.
ومع ازدياد الارتياب من قبل الناشطين الحقوقين والكتاب والمدونين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، من تأخر الاصلاحات السياسية التي كانوا في انتظارها، خاصة الاصلاحات السياسية، بما يتعدى مسألة تغيير اسم واستبداله بآخر في جسم الهيكل الوزاري، صدر مرسوم سلطاني آخر في 9 أكتوبر (95/2011) باستبدال نص المادة 26 في قانون المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم السلطاني 49/1984 من قانون المطبوعات والنشر، بنص آخر فضفاض يتيح للسلطة الأمنية التدخل في العمل الصحفي والنشر العام، والتقبض على أي مواطن يمارس نشاطا حقوقيا أو ينتقد عمل السلطة. فقد نصت المادة في صيغتها الجديدة على: "حظر نشر كل ما من شأنه المساس بسلامة الدولة أو أمنها الداخلي أو الخارجي وكل ما يتعلق بالأجهزة العسكرية والأمنية وأنظمتها ولوائحها الداخلية وأية وثائق أو معلومات أو أخبار أو اتصالات رسمية سرية سواء أكان النشر من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أو من خلال استخدام شبكة المعلوماتية أو وسيلة من وسائل تقنية المعلومات إلا بإذن من السلطات المختصة".
وبعد فترة قصيرة، وتحديدا في 18 أكتوبر، صدر عدد من المراسيم، أحدها تعلّق بمنح مجلس الشورى عدد من الصلاحيات التي اقتصر غالبها على الصلاحيات الاستشارية، وعلى تقديم توصيات فيما يخص موازنة الدولة، من دون أن يكون مجلس الوزراء مقيدا أو ملزما بأي منها. أما صلاحيته باستجواب الوزراء، فهي تفترض لممارستها طلبا صادرا عن 15 عضوا من مجلس الشورى، علما أنه ليس للمجلس بأية حال استدعاء أي وزير من الوزارات "السيادية"، وهذه الوزارات هي المالية والنفط والخارجية والدفاع. بالمقابل، لم يعر المرسوم السلطاني أي اهتمام للمطالب التي عبرت عنها احتجاجات فبراير ومارس 2011 لجهة اعطاء المجلس صفة تمثيلية للشعب وتاليا صلاحية وضع التشريعات وتعديلها، فضلا عن صلاحية تغيير الوزراء الذين يثبت له قيامهم باستغلال مناصبهم أو باختلاس أموال عامة أو أيضا فشلهم في أداء مهامهم.
كما صدر مرسوم آخر في 30 أكتوبر بإنشاء مجالس بلدية منتخبة. فقد كانت المجالس البلدية سابقا عبارة عن مديريات ودوائر تقوم الحكومة بتعيين موظفين فيها، مما يجعلها مؤسسات ملحقة بالحكومة وخاضعة لها، وهذا ما اختلف جذريا مع انشاء مجالس بلدية يكون أعضاؤها منتخبين من قبل سكان كل ولاية، على أن تتبع هذه المجالس المحافظ العام لكل منطقة أو الوالي. ولكن، ورغم هذا التعديل الجوهري في كيفية اختيار أعضاء المجالس، فان دورها بقي محصورا في ابداء الآراء في المجالات التنموية والتطويرية والتي حصرت في: اقتراح انشاء المدارس والمباني والشوراع مع وضع تصورات ومقترحات لتنظيم الشأن العام للحياة الاجتماعية لكل ولاية..إلخ. ورفع التقارير أو المقترحات للجهات العليا التي تتبعها.
ولكن عند الامعان بهذه الإصلاحات السياسية، سرعان ما نلاحظ أنها لا تعدو كونها في غالب الأحيان "جرعات تخديرية" لا أكثر: فالسلطان هو السلطان بالمعنى الكلي للكلمة وهو رئيس الوزراءحسب المادة 41 من النظام الأساسي للدولة منذ ديسمبر 1971 بعدما قام بعزل عمه طارق بن تيمور عن رئاسة الوزراء لأسباب غير معلومة،وهو تاليا المتحكم في سير عدد كبير من الوزارات. ولا زالت البلاد حتى اليوم من دون ولي عهد، والدستور المعتمد في البلاد هو النظام الأساسي للدولة الذي وضع بجهود فردية من السلطان نفسه بموجب مرسوم سلطاني صدر في 1996 وهو يولي السلطان الصلاحيات المطلقة في التشريع وسنّ القوانين وإصدار المراسيم دون أيّة مرجعية تشاركه أو تقيده في أي منها.كما أن السلطان هو بموجب هذا النظام القائد الأعلى للقوات المسلحة والشرطة والقضاء الأعلى.. إلخ. وفي الاتجاه نفسه، يبقى الملف المالي للدولة ومعه مداخيل السلطان من هذه المالية تحت غطاء سرية تامة. فلا أحد يعرف على أي أساس توضع الميزانية العامة السنوية للدولة، أو حتى تفاصيلها، بل تقتصر المعرفة العامة على الرقم الذي يتم الاعلان عنه في بدء كل سنة كموازنة عامة للسلطنة.
وبالنظر الى كل ما تقدم، لا نخطئ اذا قلنا أن أي اصلاح في مؤسسات الدولة (مجلس الشورى والمجالس المحلية) مهما كان محدودا قابله تعزيز للقبضة الأمنية واجراءات هامة لتحصين هذه القبضة مهما تعسفت ازاء أي نقد. وفي موازاة ذلك، بقيت صلاحيات السلطان التشريعية والتنفيذية والعسكرية شبه مطلقة، وهي بطبيعتها لا تقبل أي نقد تحت طائلة تحريك ملاحقات "الاعابة". فكأنما السلطة تستمد من هذه الاصلاحات المحدودة جدا حجة لا تقبل النقاش بتجريد أي اعتراض من مشروعيته، فلماذا المعارضة طالما أن نواياها الاصلاحية (نوايا السلطان) لا تترك محلا للشك؟ أمام نوايا مماثلة، الأجدر بالناشطين أن يقفلوا الى القمقم.