الثلاثاء، 12 مارس 2013

المفكرة القانونية / الحلقة 4: الإصلاحات السياسية والاقتصادية في عمان في الممارسة: عسكرة "البطالة" ومفهوم "الوزارة السيادية" منعا للمساءلة


12 آذار 2013 


في الحلقة السابقة، تحدثنا عن عدد من الخطوات التي اتخذتها السلطة تحت عنوان الاصلاح. ولكن الام آلت هذه الاصلاحات عمليا؟ هذا ما سأحاول عرضه في هذا المكان. وقبل المضي في ذلك، أسارع الى القول بأن مفاعيل هذه الاصلاحات أتت متناسقة مع منطلقاتها، بمعنى أنها بقيت محدودة ومجردة عن أي مفعول تغييري مع استخدامها في حالات عدة لتقويض الاحتجاجات واضعاف مشروعيتها.وهذا ما نلحظه بشكل جلي مع توظيف أعداد كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل بوصلت إلى الــ10.133 في الأجهزة العسكرية، و 6.440 في أجهزة الشرطة، وذلك وفق احصائية نشرتها جريدة الزمن العمانية في 27 حزيران/يونيو 2012.وقد ترافق ذلك مع مضاعفة رواتب موظفي المؤسسة العسكرية، بحيث أصبح راتب الجندي جديد العهد بالمؤسسة العسكرية، أعلى من راتب موظف الخدمة المدنية حامل الدبلوم الجامعي. فبذلك، بدا كأنما السلطنة تعمد الى ضرب عصفورين بحجر بحيث تستوعب احتجاجات الشباب العاطلين عن العمل وتضعف دوافعهم الى الاحتجاج في موازاة تقوية الأجهزة الأمنية وتعزيز قدرتها في قمع أي احتجاج مستقبلي. وكانت هذه القوى قد تصدت للاحتجاجات الحاصلة في مايو 2011، من خلال فض الاعتصامات في صلالة وصحار وصور ومسقط 10 و 11 و12 و 14 من شهر مايو 2011 حيث قام أفراد الجيش بضرب المعتصمين وسحلهم بالعصيّ الثقيلة، واطلاق الرصاص للتهديد. وبفعل هذا التدبير، سعت الحكومة الى تحويل فئة العاطلين عن العمل من موقعها المعترض الى موقع المساهم في قمع أي اعتراض.

أما على صعيد الصلاحيات المعطاة لمجلس الشورى في أكتوبر 2011 عبر المرسوم السلطاني 99/2011، يسجل أنه ما يزال عاجزا عن اداء دور مؤثر في رسم السياسة العمانية الداخلية أو الإسهام في صنع القرار. فقدمنعه مجلس الوزراء من استجواب وزير النفط في عمان، وطلب لاحقا في نهاية نوفمبر 2012 أن تكون جلسة الشورى مع وزير المالية جلسة سرية غير معلنة. وسمّى مجلس الوزراء عددا من الوزارات مثل المالية والخارجية والنفط والديوان والدفاع بالوزارات السيادية التي لا يحق للشورى استجواب وزرائها ولا مناقشة أوضاعها. وهو ما عارضه عدد من أعضاء مجلس الشورى منهم توفيق اللواتيا، الذي قال عبر صفحته الرسمية في تويتر أن "عمان دولة مستقلة، بالتالي وزارتها مستقلة" وأضاف :الوزارات السيادية في الدول المحتلة، ونحن بلد مستقل، بالتالي لا يجب أن يكون هناك وجود لوزارات سيادية.

ورغم أن الشورى يستطيع وعبر توقيع 15 عضوا منه أن يستدعي أيّ وزير من الورزارات الأخرى التي وصفها مجلس الوزراء بالخدمية كما نصّ عليه المرسوم السلطاني 99/2011 في المادة 85 مكرر 43.، إلا أن الاستجواب لا يتعدى حدود النقاش وابداء الآراء، فليس للمجلس حتى الآن أي صلاحية أو امكانية في وقف قرار أو التعديل عليه أو تغييره. كما لم يستطع الشورى حتى الآن عبر تقرير جهاز الرقابة الإدارية المالية والإدارية من حث الحكومة على محاسبة المتجاوزين لصلاحياتهم أو المستغلين لنفوذهم الوظيفية أو الناهبين للأراضي أو المختلسين من مال الدولة.

وما يثير الريبة كذلك، هو تعرض الأجهزة الأمنية للدولة لبعض أعضاء الشورى الذين ينتقدون سياسة الدولة في المجلس وحين مساءلتهم للوزراء. وهو ما حدث فعلا مع أحد أعضاء الشورى وهو د.طالب المعمري، الذي حاول الادعاء العام اقناع المجلس باسقاط الحصانة عنه، واتهامه بإهانة موظف عام، على إثر مقاله بشأن موقف حدث له وقت زيارته لوزير الإسكان في مارس 2012، لكن المجلس رفض رفع الحصانة، بسبب عدم اقتناعه بالحجة التي قدمها الإدعاء العام للمجلس. ناهيك عن قرارا مفاجئ، صرح به أحد أعضاء الشورى في 24 يناير 2013 عن تقديم استقالته، التي يأمل أن يقبلها المجلس، وفق الأسباب التي قدمها في رسالة استقالته التي بقي مضمونها سريا. إلا أنه عاد وتراجع لاحقا عن القرار، أيضا دون معرفة الأسباب، مع العلم، أن هذا العضو كان من ضمن أعضاء الشورى الذين تم احتجازهم فترة من الوقت في مخيّم السلطان الأخير في ولاية بهلا العمانية، في إثر دخولهم المخيّم دون استئذان السلطات، بهدف مقابلة السلطان.

فضلا عن ذلك، توالت خلال هذه الفترة اعلانات لتجاوزات واختلاسات مالية عدة. ومنها قضية سرقة أراضي بوشر، حسب ما ورد في الإعلان الرسمي للدولة في الجريدة الرسمية في عددها الصادر يوم 11 إبريل/نيسان 2012، واختلاسات أموال الدولة، حسب بيان صدر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة في 23/12/2012 عبر وكالة الأنباء العمانية، حيث أشارت التقارير الى اختلاس مبالغ تصل الى ـ340 مليون ريال عماني (يقدر بـــ 880 مليون $)، ناهيك عن أموال مليونية أخرى في قضايا متفرقة في تسريب الديزل والبترول والمناقصات واستغلال النفوذ الوظيفي، وكذلك قضية التصدعات التي بدأت في مشروع الحوض الجاف الذي لم يكمل العامين على افتتاحه في المنطقة الوسطى لعمان تحديدا في ولاية محوت حسب التقارير التي ذكرتها جريدة الزمن العمانية في أحد أعدادها الصادر نهاية يوليو/تموز 2012، المشروع الذي كلف خزينة الدولة 770 مليون ريال (تقريبا 2 مليار $). هذه القضايا التي تم تداولها عبر الاعلام الرسمي العماني والخاص كذلك، لا يعرف المتهم فيها، ولا فيما اذا تمّت محاسبته أوالاقتصاص منه.كما ليس هناك حتى الآن من وزير حالي أو وزير سابق تمّت مساءلته أو استجوابه،حسب ما صرّح الادعاء العام بداية هذا العام.

كذلك الطريقة التي ذكرها رئيس جهاز الرقابة في عمان حول كيفية استرداد الأموال التي تم اختلاسها في لقائه باحدى الاذاعات المحلية وهي الوصال يوم 6 يناير 2013، حيث حثّ الجهاز لوزارة المالية لاسترداد الأموال من المسؤولين، من دون أي اشارة الى أي ملاحقة أو محاسبة.

ورغم توقع العديد من المتابعين، أنه يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وهو يوم احتفال سلطنة عمان بعيدها الوطني الذي يتوافق مع يوم ميلاد السلطان قابوس، بأنه سيصار الى تعيين رئيس وزراء في البلاد، فان ذلك لم يحدث، انما اكتفى السلطان بافتتاح المبنى الجديد لمجلس عمان يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني، والذي يضم مجلسي الدولة (المعيّن أعضاؤه من قبل السلطان) والشورى (البرلمان العماني الذي يكون أعضاؤه منتخبين من قِبل الشعب). وتبعا لذلك، يتجدد السؤال حول السلطة المطلقة للسلطان وإصراره على أن يجمع بين صفتي السلطان ورئيس الوزراء في الوقت نفسه.

فضلا عن ذلك، نقل أن الحكومة، على الأرجح بايعاز من السلطان، امتنعت عن اتخاذ اجراءات لتخفيض نفقات الديوان ووزارة الدفاع، التي تستنزف الكثير من ميزانية الدولة السنوية (28% من ميزانية 2013). كما أنه لم تتم أي مساءلة  لفشل أو سوء تطبيق رؤية 2020، والتي كان أحد أهم بنودها تقليل الاعتماد على النفط والغاز لما يصل نسبته 20%، ولكن ميزانية 2013 وصل فيها الاعتماد على إيرادات النفط والغاز ما يصل إلى 84% من ميزانية الدولة (74% النفط و 12% الغاز).

الحديث عن الإصلاح السياسي لايجب أن يتم تناول "القشور" فيه أو من باب التمويه، فمجلس الشورى بعد المرسوم السلطاني 99/2011 وكذلك المجالس البلدية بعد المرسوم 116/2011، لا تتعدى صلاحياتهم تقديم "المشورة" و"المقترحات"، وهو الأمر الذي يعني من منظار سياسي: دعهم يتحدثون كما يريدون، ونحن نفعل ما نشاء! ومن النافل أن هذه السياسة تقارب سياسة الاستهزاء وترسم آلية تعامل السلطة مع الشعب على أساس أنهم "مراهقون في الفكر والسياسة"، وأن أساس مطالبهم هي نزوة تدفعهم الى تقليد ما حدث من تغيير في الوطن العربي إثر ما سُمي بالربيع العربي ليس الا.

لذلك، وفي 2012، عملت السلطات جاهدة إلى قمع "فكري" عنيف لكل الذين انتقدوا الحكومة في بطئها وتنامي الفساد وكثرة أخطائها، أو الذين انتقدوا السلطان في تنقلاته الأخيرة وما تسببه من نفقات باهظة، وكذلك انتقدوا السلطات الأمنية التي تتستر على المفسدين وتحميهم، فحدثت اعتقالات أعقبت "اضراب عمال النفط" في يونيو 2012، وهو ما سنتحدث عنه لاحقا بالتفصيل في مقال آخر.

إن كان السلطان فعلا يريد الإصلاح، لا بد له أولا من التخلي عن دستور الهبة أو المنحة الذي يتعامل فيه من خلال مراسيمه مع الشعب، في اتجاه الاعتراف بالحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، ومنها حريتهم بانتقاد القيمين على الخدمة العامة وفي طليعتهم السلطان وأن يعتمد مبدأ فصل السلطات وخصوصا من خلال توسيع صلاحيات مجلس الشورى لتشمل الصلاحيات التشريعية وتعيين رئيس وزراء. أما أن يبقى السلطان مصدرا لأيّ قرار لإنشاء مبنى أو تكوين لجنة أو زيادة رواتب أو تعيين وزير..إلخ، في موازاة منع أي انتقاد قد يوجه اليه، فهو أمر يتعارض مع مفهوم :دولة المؤسسات، الذي تدعي الحكومة العمانية أنها تعمل على أساسه.