تمثل محاكمة دعاة الإصلاح في الإمارات اختبارا صعبا لكل الأطراف في الإمارات كما ذكر الشيخ الدكتور سلطان بن كايد القاسمي رئيس دعوة الإصلاح في الجلسة الأولى للمحاكمة " أن المحاكمة ليست محاكمة للإصلاح فهي أيضا محاكمة لاستقلال القضاء و محاكمة لجهاز الأمن و محاكمة لكل الأطراف" فهي اختبار لإرادة الشعب و تماسكه حول الحقيقة التي عرفوها عن الإصلاحيين و الذين يقدمون نموذجا شامخا للثبات على المبادئ بصبرهم على انتهاكات السجون الانفرادية و حرمانهم من الحقوق الإنسانية و القانونية الدستورية طيلة مدة الحبس التي استمرت أكثر من 8 أشهر لنتفاجأ بعد هذا كله بأن أعمال الإصلاح ستوضع في ميزان العدالة! و التي بدورها -أي العدالة- لن تتردد في إثبات حقهم المؤكد في الآية الكريمة:
"... إنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب "
بل و حق المجتمع في أن يتحقق من خلال دعاة الإصلاح أمر الله تعالى
" وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ"
فعلى ماذا سيحاكمون؟ وما هي المفارقات في هذه القضية؟
إن ممارسات تيار الإصلاح الإماراتي هي في منتهى الشرعية فهي من ناحية تطبيق للدعوة إلى الله تعالى وهي امتثال لأمر الله سبحانه " ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" كما تعد توازنا طبيعيا لتدافع الخير و الشر في مجتمع منفتح على كل الثقافات و الأفكار وهم بالتالي حين يدعون أهلهم و مجتمعهم يمثلون صمام أمان و طوق نجاة من أن ينزلق الشباب في مغريات الحياة المنتشرة في تفاصيل حياتنا وللأسف الشديد، كما ورد في حديث السفينة حين اعتبر بعضهم أنه حر في تصرفاته "... فإذا تركوهم وما أرادو هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا .على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" رواه البخاري
ومن ناحية أخرى هي حق دستوري قانوني كفله دستور الإمارات لكل مواطن بأن يعبر عن رأيه ما يعجبه وما لا يعجبه في وطنه وأن يؤسس و ينضم إلى جمعيات المجتمع المدني كالأندية و الجمعيات فليس بالضرورة أن تكون كلها تتبع للحكومة ورأيها هو السائد فدورها هو تحقيق التوازن الذي يعني أن شرائح المجتمع ستكون أكثر قربا من تطوير نواحي الحياة المتأثرين بها و أنهم أكثر وعيا للمشكلات التي تعاني منها مختلف الفئات فالمعلمين أهم أقدر على تناول قضاياهم و اقتراح الحلول للمشكلات وكذلك الحقوقيين و المسرحيين و غيرهم فبالتالي هل يعقل أن تكون مسؤولية النهضة بالمجتمع مسؤولية فئة و تحرم باقي الفئات في المجتمع من هذا الحق؟
بنيت محاكمة الإصلاح على كثير من المفارقات فالأولى هي محاكمة من يهدم الأخلاق و القيم في المجتمع و هم كثيرون و يمارسون أنشطتهم باسم الحرية المشوهة أو أن يحاكم أهل الأفكار السافرة البعيدة عن ثوابت مجتمعنا المحافظ ثم إن هذه المحاكمة هي اتهام صريح لنيات الإصلاحيين فلا يوجد دليل واحد قاطع أن دعوة الإصلاح تسعى إلى الاستيلاء على الحكم، بل كل ما هنالك هو توقعات و افتراضات حيث يتضح ذلك من تضمين الاتهام أنهم كانوا يتخذون من المؤسسات واجهات يتخفون خلفها لتنفيذ جريمتهم على حد تعبير جهة الادعاء وفي واقع الحال أن هذه المؤسسات يشهد لها كل من تعامل معها أنها من أنجح المؤسسات في مجالات عملها وقد شهدت الحكومة و شخصيات بارزة في المجتمع بذلك.
على صعيد آخر الأدلة ذاتها من ممارسة أعمال فاضلة و أنشطة مجتمعية تعتبر إنجازات وطنية يفخر بها الوطن و تستحق التكريم إن أحسنا الظن بأبناء الوطن، ثم أنهم يدعون أنها دعوة سرية و الدعوة إلى الله بطبيعتها تفاعلية مع الناس فكيف تعتبر سرية بناء على أن الاجتماعات كانت سرية ومعلوم في أي إدارة أن الاجتماعات لأي منظمة أو جمعية للتخطيط و الإعداد لابد أن تضم عددا محدودا هو فريق العمل أو مجلس الإدارة أما الأنشطة فهي علنية ومعروفة والدليل على ذلك قائمة المؤسسات التي ذكرتها النيابة مطالبة المحكمة بإغلاقها.
إن هذه المحاكمة بشكل غير مباشر تحاول تجريم الدعوة إلى الله و هو ما تستنكره الشرائع و الفطر السليمة فمبدأ الدعوة و الإصلاح راسخ أصيل في مجتمعنا حيث أننا لو افترضنا أن دعاة الإصلاح سيقضون أقسى أحكام العقوبة و التي قد تصل إلى 15 سنة هل يتوقع أحد أنهم سيتنازلون عن هذا المبدأ الذي ضحوا من أجلهم طيلة أعمارهم، والعكس هو المتوقع أن يلتحق بهم ركب عريض يطلب أن ينضم إلى الدعاة العاملين للإسلام و يتعلمون من ثباتهم و قوتهم في الحق فهم قوم عاهدوا الله تعالى و رسوله أن يعملوا لرفعة الدين و الأمة وغدا سيسطر التاريخ صدقهم، فمتى أصبح الإصلاح تهمة في وطن إسلامي؟!
بقلم: عبدالله عبدالرحمن الحديدي