19 آذار 2013 اطبع
خلفان البدواوي
خلفان البدواوي هو الشاب الذي نشرت المفكرة صورته على صفحة الفايسبوك للاعلان عن سلسلة المقالات التي كتبها الناشط العماني نبهان الحنشي عن الحراك الحقوقي في عمان والتي يتواصل نشرها على هذه الصفحة. في صورته تلك، كان البدواوي يحمل يافطة كتب عليها: "بسبب like أنام في السجن". والعبارة كتبت من وحي اعتقاله من قبل السلطات العمانية تعسفا مع 37 من الشبان العمانيين، بينهم نبهان الحنشي، قرابة ثلاثة أشهر، على خلفية اعابة السلطان من خلال التويتر والفايسبوك، قبلما يترك بكفالة بانتظار انتهاء محاكمته. وبالطبع، يرفض الناشطون هذا الاتهام، وهم يعتبرون أن كل ما غردوا به هو ممارسة لحق مشروع بانتقاد السلطة السياسية التي عليها أن تستفيد منه لتصويب أدائها. نهار السبت الماضي، تم اعتقال البدواوي مجددا. تضامنا معه ومع جميع العمانيين المعتقلين على خلفية آرائهم السياسية، تنشر المفكرة القانونية هذا المقال الذي كان أرسله البدواوي اليها عشية اعتقاله.
يتمحور العمل السياسي حول مبادئ إرساء العدالة والمساواة بين المواطنين وإظهار المشاكل الإجتماعية وحلها بالطرق السلمية العملية بغية التوجه بالوطن نحو مستقبل أفضل ينبذ التسلط والأنانية والفساد والإحتكار. في العقود الماضية القريبة تشوهت كثير من المفاهيم الخاصة بالعمل السياسي، في ظل سيادة ثقافة السعي لتحقيق "السعادة الفردية-الاستهلاكية" بأي ثمن. صار "الذكاء" يتمثل بالابتعاد عن "وجع الرأس" و"المشاكل"، أي عن الشأن العام، وبمحاولة إيجاد فقاعة آمنة يمكن أن يحمي المرء نفسه فيها من انعكاسات الشأن العام عليه شخصيا. ولا شك أن الأنظمة العربية المعنية بإبعاد أوسع قطاعات الشباب عن الشأن السياسي، بكافة وسائل الترغيب والترهيب- حتى وهي تتحدث عن "التنمية السياسية" - هي من أول الجهات المعنية بتوسيع تلك الحالة من الجهل والتجهيل بين الشباب، لأن من ينغمس في الشأن الفردي لا يعارض السياسات الحكومية ولا يسأل عن الفساد والمال العام، ولا عن موارد الدولة، أي موارد الشعب، ولا عن التفريط بالقضايا الوطنية والقومية الكبرى، قضايانا، قضايا الأمة. وأفضل الظروف بالنسبة لأي نظام قمعي أو مستبد هي بالضرورة تلك التي لا يضطر فيها النظام لقمع معارضيه وقوى المجتمع الحية؛ وهذا ما يتحقق إذا تمكن من ايجاد أجواء يعزف فيها الناس عن العناية بشأنهم العام، وصولا إلى تدمير الوعي العام برمته.
والمشاركة السياسية هو مبدأ ديمقراطي تقوم عليه الدول المدنية الحديثة، مبدأ يتم التمييز فيه بين الدول المدنية الحديثة التي تقوم على المواطنة والمساواة والعدالة والدول الشمولية التي تقوم على الإحتكار. والمشاركة السياسية لا يمكن أن تتم إلا تحت مظلة النظام الديمقراطي، الديمقراطية التي يسود فيها القانون، والمشاركة السياسية تعني مساهمة المواطنين بقصد التأثير في عملية صنع القرار الرسمي، وهو فعل تطوعي، وهناك نوعان نوع تقليدي كالتصويت في الإنتخابات والمشاركة في مؤتمرات وطنية وتقلد المناصب السياسية والإنضمام إلى أحزاب أو جماعات، والنوع الآخر غير تقليدي ويظهر أكثر في الدول غير المدنية التي تعاني عادة من غياب قنوات التعبير الشرعي مثل عدم وجود أحزاب سياسية أو ضعف دور النقابات العمالية واستمرارية ملاحقة الدول للسياسيين المعارضين وغيرها.
وتكمن أهمية المشاركة السياسية بأن الإنسان النشط المشارك إنسان إيجابي بالطبع ويتسم بوعي وبصيرة وزخم فكري والمشاركة تنمي الإحساس باحترام النفس وتنهض بالوعي السياسي وبالنسبة للقائمين على الحكم فإنها تنبههم إلى ما عليهم من واجبات قبل الوطن والمواطنين وتدفع بالحكام للنظر لمطالب شعوبهم والعمل على إقرار العدل والسلام الاجتماعي والتوافق الطبقي والعرقي إضافة إلى إقرار عدالة توزيع الدخل القومي.
ومن الصور الطبيعية للمشاركة السياسية غير التقليدية هوإنتقاد أداء السلطات من الجانب الشعبي كما قمنا بعمله في عمان خلال السنوات الأخيرة. والناشط أو الناقد يقوم على إنتقاد الأداء العملي للموظف الرسمي بدون التدخل في الحياة الشخصية للموظف السياسي وإلى ضرورة الفصل بين شخص الحاكم أو رئيس الوزراء عن عمله وأن الحاكم طالما كان هو المتحكم الوحيد بطريقة غير دستورية في مصير الشعب ومقدراته فلا بد من إنتقاده وهذا حق شرعي للشعب لحماية ثرواته وتأمين مستقبله والقدرة على المشاركة السياسية في ظل غياب القنوات الشرعية له، وحين يستخدم الناشط مصطلحات يشكك فيها بمصداقية عمل الحكومة أو ضعف قرارات الحاكم فلا بد من إعتبارها لتوجيه العمل الوطني والنهوض به وعدم إعتبار نقد الحاكم عملا شخصيا كإعابة شخصه.
من المشاكل التي نواجهها في القوانين والمفاهيم المتعلقة في أذهان العديدين هي إزدواجية عمل الحاكم مع شخصه، فأي إنتقاد لعمله وأداءه وقراراته تعتبر وكأنه إعابة في شخصه أو تطاول على ذاته، وهذا في ظل تحكم الحاكم بعدد كبير من المناصب السيادية التي تمس الحياة اليومية للمواطن والتي تقرر الإستراتيجية التي يقوم بها الوطن، وعليه قامت الحكومات الخليجية بملاحقة النشطاء والمعارضيين لإنتقادهم أداء حكامهم ومعاقبتهم بتهمة إعابة ذات الحاكم.
يجب علينا أن نفرق بين الإنتقاد السياسي البناء على عمل وأداء الحاكم وبين شخصه وهذا يتم أولا بضرورة الفصل بين سلطات الحاكم نفسه، وتعديل القوانين التي لا تفرق في ذلك والمبهمة في توضيح ماهية الإنتقاد والإعابة.
خلفان البدواوي هو الشاب الذي نشرت المفكرة صورته على صفحة الفايسبوك للاعلان عن سلسلة المقالات التي كتبها الناشط العماني نبهان الحنشي عن الحراك الحقوقي في عمان والتي يتواصل نشرها على هذه الصفحة. في صورته تلك، كان البدواوي يحمل يافطة كتب عليها: "بسبب like أنام في السجن". والعبارة كتبت من وحي اعتقاله من قبل السلطات العمانية تعسفا مع 37 من الشبان العمانيين، بينهم نبهان الحنشي، قرابة ثلاثة أشهر، على خلفية اعابة السلطان من خلال التويتر والفايسبوك، قبلما يترك بكفالة بانتظار انتهاء محاكمته. وبالطبع، يرفض الناشطون هذا الاتهام، وهم يعتبرون أن كل ما غردوا به هو ممارسة لحق مشروع بانتقاد السلطة السياسية التي عليها أن تستفيد منه لتصويب أدائها. نهار السبت الماضي، تم اعتقال البدواوي مجددا. تضامنا معه ومع جميع العمانيين المعتقلين على خلفية آرائهم السياسية، تنشر المفكرة القانونية هذا المقال الذي كان أرسله البدواوي اليها عشية اعتقاله.
يتمحور العمل السياسي حول مبادئ إرساء العدالة والمساواة بين المواطنين وإظهار المشاكل الإجتماعية وحلها بالطرق السلمية العملية بغية التوجه بالوطن نحو مستقبل أفضل ينبذ التسلط والأنانية والفساد والإحتكار. في العقود الماضية القريبة تشوهت كثير من المفاهيم الخاصة بالعمل السياسي، في ظل سيادة ثقافة السعي لتحقيق "السعادة الفردية-الاستهلاكية" بأي ثمن. صار "الذكاء" يتمثل بالابتعاد عن "وجع الرأس" و"المشاكل"، أي عن الشأن العام، وبمحاولة إيجاد فقاعة آمنة يمكن أن يحمي المرء نفسه فيها من انعكاسات الشأن العام عليه شخصيا. ولا شك أن الأنظمة العربية المعنية بإبعاد أوسع قطاعات الشباب عن الشأن السياسي، بكافة وسائل الترغيب والترهيب- حتى وهي تتحدث عن "التنمية السياسية" - هي من أول الجهات المعنية بتوسيع تلك الحالة من الجهل والتجهيل بين الشباب، لأن من ينغمس في الشأن الفردي لا يعارض السياسات الحكومية ولا يسأل عن الفساد والمال العام، ولا عن موارد الدولة، أي موارد الشعب، ولا عن التفريط بالقضايا الوطنية والقومية الكبرى، قضايانا، قضايا الأمة. وأفضل الظروف بالنسبة لأي نظام قمعي أو مستبد هي بالضرورة تلك التي لا يضطر فيها النظام لقمع معارضيه وقوى المجتمع الحية؛ وهذا ما يتحقق إذا تمكن من ايجاد أجواء يعزف فيها الناس عن العناية بشأنهم العام، وصولا إلى تدمير الوعي العام برمته.
والمشاركة السياسية هو مبدأ ديمقراطي تقوم عليه الدول المدنية الحديثة، مبدأ يتم التمييز فيه بين الدول المدنية الحديثة التي تقوم على المواطنة والمساواة والعدالة والدول الشمولية التي تقوم على الإحتكار. والمشاركة السياسية لا يمكن أن تتم إلا تحت مظلة النظام الديمقراطي، الديمقراطية التي يسود فيها القانون، والمشاركة السياسية تعني مساهمة المواطنين بقصد التأثير في عملية صنع القرار الرسمي، وهو فعل تطوعي، وهناك نوعان نوع تقليدي كالتصويت في الإنتخابات والمشاركة في مؤتمرات وطنية وتقلد المناصب السياسية والإنضمام إلى أحزاب أو جماعات، والنوع الآخر غير تقليدي ويظهر أكثر في الدول غير المدنية التي تعاني عادة من غياب قنوات التعبير الشرعي مثل عدم وجود أحزاب سياسية أو ضعف دور النقابات العمالية واستمرارية ملاحقة الدول للسياسيين المعارضين وغيرها.
وتكمن أهمية المشاركة السياسية بأن الإنسان النشط المشارك إنسان إيجابي بالطبع ويتسم بوعي وبصيرة وزخم فكري والمشاركة تنمي الإحساس باحترام النفس وتنهض بالوعي السياسي وبالنسبة للقائمين على الحكم فإنها تنبههم إلى ما عليهم من واجبات قبل الوطن والمواطنين وتدفع بالحكام للنظر لمطالب شعوبهم والعمل على إقرار العدل والسلام الاجتماعي والتوافق الطبقي والعرقي إضافة إلى إقرار عدالة توزيع الدخل القومي.
ومن الصور الطبيعية للمشاركة السياسية غير التقليدية هوإنتقاد أداء السلطات من الجانب الشعبي كما قمنا بعمله في عمان خلال السنوات الأخيرة. والناشط أو الناقد يقوم على إنتقاد الأداء العملي للموظف الرسمي بدون التدخل في الحياة الشخصية للموظف السياسي وإلى ضرورة الفصل بين شخص الحاكم أو رئيس الوزراء عن عمله وأن الحاكم طالما كان هو المتحكم الوحيد بطريقة غير دستورية في مصير الشعب ومقدراته فلا بد من إنتقاده وهذا حق شرعي للشعب لحماية ثرواته وتأمين مستقبله والقدرة على المشاركة السياسية في ظل غياب القنوات الشرعية له، وحين يستخدم الناشط مصطلحات يشكك فيها بمصداقية عمل الحكومة أو ضعف قرارات الحاكم فلا بد من إعتبارها لتوجيه العمل الوطني والنهوض به وعدم إعتبار نقد الحاكم عملا شخصيا كإعابة شخصه.
من المشاكل التي نواجهها في القوانين والمفاهيم المتعلقة في أذهان العديدين هي إزدواجية عمل الحاكم مع شخصه، فأي إنتقاد لعمله وأداءه وقراراته تعتبر وكأنه إعابة في شخصه أو تطاول على ذاته، وهذا في ظل تحكم الحاكم بعدد كبير من المناصب السيادية التي تمس الحياة اليومية للمواطن والتي تقرر الإستراتيجية التي يقوم بها الوطن، وعليه قامت الحكومات الخليجية بملاحقة النشطاء والمعارضيين لإنتقادهم أداء حكامهم ومعاقبتهم بتهمة إعابة ذات الحاكم.
يجب علينا أن نفرق بين الإنتقاد السياسي البناء على عمل وأداء الحاكم وبين شخصه وهذا يتم أولا بضرورة الفصل بين سلطات الحاكم نفسه، وتعديل القوانين التي لا تفرق في ذلك والمبهمة في توضيح ماهية الإنتقاد والإعابة.