الاثنين، 11 مارس 2013

بطولات عربية / الشهيدة بإذن الله .. دلال المغربي ./ منقول





استشهاد عروس يافا الفدائية
"أطلب منكم التمسك بالبندقية وتوجيهها دائما إلى صدر العدو الصهيوني ، عليكم تجميد خلافاتكم وتعزيز النضال ضد إسرائيل " ، تلك كانت أبرز كلمات الوصية التي تركتها المناضلة دلال المغربي قبل تنفيذها عملية الساحل الفدائية ويبدو أن الفلسطينيين ما أحوجهم إليها اليوم في ظل الانقسامات والاتهامات المتبادلة بين فتح وحماس والتي تهدد في حال استمرارها بتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
وكان اسم دلال المغربي قد تصدر بؤرة الأحداث مجددا مع الإعلان عن وجود رفاتها ضمن جثامين الشهداء اللبنانيين والعرب الذين تسلمهم حزب الله في عملية الرضوان ( صفقة التبادل الأخيرة مع إسرائيل ) .

ونظرا لما يحمله هذا الإسم من شجاعة وبطولة وتضحية ، كان لابد من إعادة تسليط الضوء عليها ، لكي يتعرف الجيل الجديد من الفلسطينيين والعرب على المناضلة التي احتلت تل أبيب لمدة 16 ساعة وأقامت الدولة الفلسطينية مثلما جاء في الصحف الإسرائيلية التي صدرت بعد يوم من عملية الساحل.

من يافا لبيروت

ولدت دلال المغربي في مخيم صبرا للاجئين الفلسطينيين في بيروت في العام 1958 لأم لبنانية وأب فلسطيني لجأ من مدينة يافا التي تقع ضمن الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948 .

تلقت تعليمها الابتدائي والإعدادي في مدارس وكالة غوث للاجئين الفلسطينيين انضمت الى صفوف حركة فتح أثناء دراستها الثانوية في مدرسة " حيفا " ببيروت ومنذ ذلك الوقت دخلت عدة دورات عسكرية وتدربت على جميع أنواع الأسلحة وحرب العصابات وعرفت بجرأتها وحماسها الثوري والوطني.

كان من المقرر عقد قرانها نهاية عام 1978 ولكن قبل وقت قليل من إقامة حفل الزفاف جرى اختيارها لتنفيذ عملية الساحل لتكون أول فلسطينية تقود مجموعة مسلحة داخل إسرائيل ، الأمر الذي أبرز قصتها وجعلها جزءا من الذاكرة الجماعية الفلسطينية.

عملية الساحل

عملية الساحل خطط لها خليل الوزير (أبو جهاد) الذراع الأيمن للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، ففي عام 1978 ، تعرضت الثورة الفلسطينية إلى عدة ضربات وفشلت لها عدة عمليات عسكرية وتعرضت مخيماتها في لبنان إلى مذابح وأصبح هناك ضرورة ملحة للقيام بعملية نوعية وجريئة لضرب إسرائيل في قلب عاصمتها فكانت عملية الساحل وفقا لأدبيات حركة فتح أو عملية كمال العدوان كما أطلق عليها أبو جهاد.

العملية نفذت في ذكرى مرور خمس سنوات على استشهاد قادة فتح كمال عدوان وكمال ناصر ومحمد يوسف النجار في بيروت عام 1973 .

وكانت فرقة إسرائيلية يقودها إيهود باراك قد تسللت إلى بيروت وقامت باغتيال أبرز ثلاثة من قادة الثورة الفلسطينية في شارع السادات بالعاصمة اللبنانية.

وتشير أدبيات فتح إلى أن اختيار دلال المغربي كان يحمل رمزية هامة في ذلك الوقت ، إذ أنه كان يعتبر ردا على تنكر إيهود باراك بزي امرأة أثناء مشاركته المجموعة التي قتلت القادة الفلسطينيين الثلاثة ، فالرسالة كانت وضاحة وهى أن المقاتلات الفلسطينيات قادرات على العمل المسلح وداخل اسرائيل نفسها.

ملحمة بطولية

خطة القائد الفلسطيني أبو جهاد كانت تقوم على أساس القيام بإنزال على الشاطئ الفلسطيني والسيطرة على حافلة عسكرية إسرائيلية والتوجه إلى تل أبيب لمهاجمة مبنى الكنيست .

تسابق الشباب الفلسطيني للمشاركة في العملية وكان على رأسهم دلال المغربي ابنة العشرين ربيعا وتم فعلا اختيارها رئيسة للمجموعة التي ستنفذ العملية والمكونة من أحد عشر فدائيا .

في صباح 11 مارس 1978 ، نزلت دلال مع فرقتها من قارب كان يمر أمام الساحل الفلسطيني واستقلت مع مجموعتها قاربين مطاطيين ليوصلاها إلى الشاطئ في منطقة غير مأهولة ونجحت عملية الإنزال والوصول إلى الشاطئ ولم يكتشفها الإسرائيليون خاصة وأن إسرائيل لم تكن تتوقع أن تصل الجرأة بالفلسطينيين للقيام بإنزال على الشاطئ .

وبالفعل نجحت دلال وفرقتها في الوصول إلى الشارع العام المتجه نحو تل أبيب وقامت بالاستيلاء على باص إسرائيلي بجميع ركابه من الجنود كان متجها إلى تل أبيب حيث اتخذتهم كرهائن واتجهت بالباص نحو تل أبيب وكانت تطلق خلال الرحلة النيران مع فرقتها على جميع السيارات العسكرية التي تمر بقربها ، مما أوقع مئات الإصابات في صفوف جنود الاحتلال خاصة وأن الطريق الذي سارت فيه دلال كانت تستخدمه السيارات العسكرية لنقل الجنود من المستوطنات في الضواحي إلى العاصمة تل أبيب.

بعد ساعتين من النزول على الشاطيء وبسبب كثرة الإصابات في صفوف الجنود الإسرائيليين وبعد أن أصبحت دلال على مشارف تل أبيب كلفت الحكومة الإسرائيلية فرقة خاصة من الجيش يقودها باراك بإيقاف الحافلة وقتل واعتقال ركابها من الفدائيين .

باراك يسحل جثمان دلال

قامت وحدات كبيرة من الدبابات وطائرات الهليوكوبتر برئاسة باراك بملاحقة الحافلة إلى أن تم إيقافها وتعطيلها قرب مستعمرة هرتسليا وهناك اندلعت حرب حقيقية بين دلال والقوات الإسرائيلية ولما فرغت الذخيرة من دلال وفرقتها أمر باراك بحصد الجميع بالرشاشات ، ففجرت حينها دلال الحافلة ، ما أدى إلى قتل ركابها الإسرائيليين الـ 35 ، والعشرات من الجنود المهاجمين ، بالإضافة إلى استشهادها هى ورفاقها.

وجه باراك القبيح

فداحة خسائر إسرائيل على يد المجموعة الفدائية زلزلت الكيان الصهيوني من الداخل ، ولذا وفي محاولة للتغطية على هذا الإخفاق ، قام باراك بالتمثيل بجثمان دلال وشد شعرها ورش جسدها بالرصاص ولم يكتف بذلك ولم يخجل بل سحلها أيضا أمام عدسات المصورين.

ورغم ذلك ، فإن الصحف الإسرائيلية نشرت صباح اليوم التالي أن دلال احتلت تل أبيب وأعلنتها دولة فلسطينية على مدى 16 ساعة .

كلمات من ذهب

نجحت دلال قبل استشهادها بقول عبارة " النضال سيستمر حتى تحرير كامل فلسطين " ، وكانت قبل خروجها لتنفيذ العملية تركت رسالة توصي بها عائلتها بدفنها داخل الأرض الفلسطينية ، كما أوصت الفلسطينيين عموما ، قائلة :" أطلب منكم التسمك بالبندقية وتوجيهها دائما إلى صدر العدو الصهيوني ، عليكم تجميد خلافاتكم وتعزيز النضال ضد إسرائيل ".

تخليد ذكراها

تحولت دلال المغربي إلى أسطورة في عيون الفلسطينيين ليس فقط لدورها في عملية الساحل التي استقرت في الذاكرة والوعي الجماعي الفلسطيني كإحدى عمليات فتح البطولية ، ولكن لكونها أيضا أولى مقاتلات فتح التي اشتركت إلى جانب الرجال في عملية مركبة ومعقدة ، ولذا لم يكن مستغربا أن تزين الصورة الأشهر لها والتي ترتدي فيها زيا عسكريا وكوفية فلسطينية وتحمل رشاشا روسيا من طراز كلاشينكوف كل بيت فتحاوي وكل مكتب من مكاتب الحركة ، تخليدا واحتراما لها.

أيضا الزعيم الراحل ياسر عرفات دأب في معظم خطاباته على ذكر أسماء الشهداء ولم ينس أبدا ذكر اسم دلال المغربي ، كما كانت صورتها تغطي أحد جدران مكتبه وأطلق اسمها على مدارس عديدة في المناطق الفلسطينية ، وحتى أحد أجنحة فتح العسكرية العاملة في غزة والضفة الغربية اختصت نفسها باسم " كتائب الشهيدة دلال المغربي ".

قالوا عنها

عرفات طالما أشاد ببطولة دلال

ومع اندلاع الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس ، شعر الفلسطينيون بالحنين لعودة أيام دلال المغربي ، وتصاعدت الإدانات للتيار الإنقلابي داخل فتح والذي يسيء لتضحيات شهداءها وللدور الوطني الذي تقوم به لتحرير فلسطين ، كما تصاعدت الإدانات لصراع حماس وفتح على سلطة واهية في ظل استمرار الاحتلال ، وفي هذا الصدد يقول الشاعر الفلسطيني سامي خلف من طولكرم :" قومي مجددا واصرخي في وجههم لأننا بحاجة إليك".

ومن جانبه ، وفي تعليقه على صفقة الأسرى الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل ، كتب الصحفي الإسرائيلي روني شاكيد مقالا في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بعنوان "عروس يافا ...دلال المغربي في طريقها للحرية" ، تناول فيها حياة الشهيدة وكيف ينظر إليها الفلسطينيون باعتبارها رمزا من رموز البطولة ، مشيرا إلى أن عروس يافا كما كان يلقبها رجال فتح تحرر جثمانها أخيرا من قبضة إسرائيل ونال الحرية.

واستطرد يقول :" في بيت عائلة المغربي في بيروت ، أجريت التحضيرات لاستقبال البنت العائدة ونظم اللاجئون الفلسطينيون وبالتعاون مع حزب الله جنازة جماهيرية مهيبة تليق بها ، الشارع الفلسطيني أيضا كان ينتظر عودة دلال منفذة العملية الأخطر والأقسى في تاريخ إسرائيل بفارغ الصبر ، كما تعهد بإقامة حفل زفافها الذي كان مقررا بعد عودتها من العملية ، لكنه تأخر لثلاثين عاما والآن يخططون في رام الله لزفاف عروس يافا إلى فلسطين وتنفيذ وصيتها بدفنها في أراضيها ".

وبعد وصول جثمان دلال لبيروت ، كان بين المعزين الفلسطينية رائدة أبو شعر التي غادرت لبنان مع المقاتلين الفلسطينيين خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت في عام 1982 وأقامت بعد اتفاق أوسلو في رام الله .

رائدة كانت تعمل في جهاز اتصالات فتح يوم نفذت دلال المغربي عمليتها وظلت على اتصال معها حتى دخولها الأراضي الفلسطينية، وتذكر أن جهاز الاتصال كان ينقل لها أغنيات وطنية كانت تنشدها في المركب لتشد من عزيمة رفاقها في البحر ، مشيرة إلى أن محاولة استرداد جثمانها كي يتم دفنها في القدس ، بدأت منذ أيام القيادي الفلسطيني أبو جهاد ، إلا أن اليهود كانوا يرفضون الأمر.

وأضافت أنها حملت في حقيبتها أمانة لدلال، سلمتها إلى العائلة ، قائلة: "هذه حفنة من تراب الوطن أخرجتها من ضريح أبو عمار ممزوجة بالورد انثروها على رفات دلال ، فنكون قد نفذنا وصيتها ".

والخلاصة أن دلال المغربي ستظل دوما أسطورة التضحية والنضال ، وكلنا أمل أن يأتي اليوم الذي يجيب فيه الفلسطينيون والعرب على التساؤل الذي وجهته عائلتها بعد عودة رفاتها :"لماذا نأتي بالشهداء إلى وطن ليس لهم؟".

منقول ...