أعطى اللهُ تعالى الإنسانَ مطلق الحرية في الإيمان به، حيث قال: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، بل حرّم الله الإلهُ الحقُ الإساءةَ إلى عبادات الآخرين وآلهتهم، فضلا عن شعائرهم وطقوسهم، قال سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
فإذا كان هذا مع قوم يعبدون ويؤلهون غير الله، أو يشركون به آلهة أخرى، أو حرّفوا شريعته كاليهود والنصارى، ومع هذا يجب احترام رموزهم وشعائرهم؛ فإذا كان هذا مع هؤلاء فكيف بالمسلمين من مختلف مذاهبهم ومدارسهم الفكرية، وهم يؤمنون برب واحد، ونبيهم وكتابهم وقبلتهم واحدة، فلم هذا السب واللعن، ولم هذه القطيعة والفتنة، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} .
فلكل مسلم حريته في عبادته وتوجهه، واختيار المدرسة التي وُلِدَ فيها، أو اقتنع بها، أو الرأي الذي يراه أقربَ صوابا، وأهدى سبيلا، ولا يجوز لأحد قمعه أو التضييق عليه، نعم يمكن فتح باب الحوار، والجدال بالتي هي أحسن، لكن أن يقمع ويهجر ويؤذى فهذا بعيد عن المنهج الإلهي، والذي لا إكراه فيه لأحد.
وكما يجب أن يحترم المسلمون ما عند الآخرين من قداسة في الرموز والطقوس؛ يجب أيضا على الآخرين أن يحترموا ما يدين به المسلمون، فلا يُسبُّ الله ولا رسوله، ولا يُساء إلى القرآن أو الكعبة، ولا يُسخر من شعائر الله تعالى، ولا يُستهزأ بالدين وأهله مطلقا لا في شعر ولا نثر ولا تمثيل ولا غيره، فهذه من أكبر معاني الحرية، فأنت حر في نفسك وعبادتك وتوجهك، وفي المقابل الآخرون أحرار أيضا في عبادتهم وتوجهاتهم.