الجمعة، 19 أبريل 2013

المقطع الذي اعتذرت جريدة عمان عن نشره على ملحق شرفات: للكاتبة : عزيزة الطائي / رواية أرض الغياب


  • - وماذا عن خولة يا أخي؟
    - خولة درستْ الأدب الإنجليزي، وتعمل حالياً مترجمة في إحدى شركات القطاع الخاص في "العامرة".
    - أتزوجت؟
    - نعم، من سعود صديق لمأمون وهيثم، وهو رجل جنوبي، وتنتظر مولودها الأول.
    - أووه، ذهبت إلى الجنوب.
    - متخصص في السياسة والاقتصاد، ويعمل حالياً مديراً لصندوق الاستثمار الوطني، كان والده أحد ثوَّار الجبل الظافر.
    ثم التفتَ صوبَ أمي، واسترسل في حديثه:
    - ذكر لي مأمون أنَّ والده كان متواصلا مع والدي، وعمي ناصر، وعلى معرفة بخالي سعيد، وعمي عامر اسمه سهيل، لربما تدركين من هو، أمي.
    وإذا بصوت أمي الدافئ مستفسرا:
    - ما اسمه؟ أعده لي!
    - سعود سهيل إبراهيم.
    - أهو ابن المجاهد سهيل بن إبراهيم؟
    - نعم أمي، والده اسمه سهيل إبراهيم.
    ثم علقت بيقين:
    - كيف لم ألتقِ به؟ وكيف لا أدركه؟ ومواقفه أدركتها، وسمعتها من والدك، وعمك -يرحمهما الله -وهذا الخبر سيسر خالك (سعيد)، أما عمك (عامر)، فقد التقى به مراراً.. قبل أن يرحل لـ"أوال"، فهما يعرفان عنه الكثير، بحكم التعامل الوثيق معه.
    ثم التفتت أمي اتجاه صلاح، فتحجرتْ دموعها قائلة:
    - يا للصدف الجميلة! كيف يكتب الله أن تلتقي الجذور الضاربة في الأرض، لتورق أغصانها بأطيب الثمار؟! يوسف بن عبد الله يحتضن (ماجد)، وسهيل بن إبراهيم يحتضن (ناصر)! لا أكاد أفهم وأصدق!
    بهتنا جميعا بما باحت به أمي، فتساءلت عيوننا قبل شفاهنا.. ثم واصلت موجهة حديثها لصلاح، وموزعة نظراتها بيننا:
    - سهيل بن إبراهيم، نعم الرجل كأبيك يوسف يا ولدي، وهو بمثابة أخ عزيز له، فقد كان بينهما تواصل من أجل أهل "قادي"؛ رغم بعد المسافات، وصعوبة المواصلات آنذاك بين الجنوب والشمال والساحل الشرقي، وقد عرَّفهما ماجد على المجاهد زاهر بن حميد، الذي استشهد وزمرته في كمين أثناء حربهم ضد الإنجليز.
    - سمعتُ عن هذا الرجل الجنوبي "سهيل" من أبي يوسف.. فقد ذكر أنه اختفى مع ثُلَّة من الثُّوار، ولا أحد يدري أين؟ وكيف؟
    - صحيح، فُقِدتْ أخباره، ثم قيل إنَّه تسلّل من الجبال التي على الحدود الجنوبية؛ إبان صدور الأحكام.
    - احتفظ بصور له، وهو يرتدي لباس أهل الجبل، وعندي مراسلات بينهما.. وأخرى بينهم جميعا؛ كزاهر وناصر وعمي ماجد و..و..
    - وهناك آخرون في الذاكرة غير المغيَّبة يا ابني صلاح؛ كصالح ويحيى وهلال ومسلم. كانوا الشرارة الأولى لتصاعد الأحداث.. وغيرهم كثير من أبناء "قادي".
    فأعقب أسامة موجها حديثه لأمي وصلاح، ونحن ننصت بشغف:
    - لقد وجدتُ في أرشيف والدي مقطعا من أغاني الجبهة الشعبية لتحرير "قادي" آنذاك، وصورا لبعض أهم شهداء الحركة الوطنية القادية الذين قد يكون بعضنا سمع عنهم دون أن يرى وجوههم، ومؤرخا عليها عام 1974م.
    - نعم يا ابني أسامة كانت تلك رموز في المادة البصرية النادرة، فالكمين كان بالتحديد في 27 أكتوبر 1974م، وتمَّ أسر آخرين جرحى، أو فارين، وإعدام بعضهم لاحقا.
    - آآآه أخي صلاح، إنها لقطات من ذاكرتنا الوطنية التي لا يمكن أن تكون "تابو" إلى الأبد.
    - سيأتي أخي أسامة اليوم الذي يعرف الجميع من هم أهل "قادي" الذين زجَّهم الظلم إلى الإعدام والسجون، وقادهم البطش قبله إلى الهجران والرحيل، حيث التاريخ سينبش -لا محالة- أنَّ الحقيقة حقٌّ للجميع.
    - لقد خذلهم بعض أصحابهم الذين أظهروا تأييدهم للثوار آنذاك يا أخي.
    - نعم يا صلاح.. وتسلموا مقابلها مواقع هامة.
    أضافتْ أمي مؤيدة حوارهما بشجن:
    - في تلك الفترة كان لثوار الجبل شوكة قوية، فمن هناك تحاك الأمور وتدبر - على حد علمي- كثيرا ما أرسل المرحوم سهيل الشباب المتطلعين للعلم، أو الفارين من ثوار الجنوب إلى أخي سعيد؛ ليساعدهم على الفرار براً أو يوصلهم إلى والدك يوسف -طيب الله ثراه - حتى يساعدهم على العبور بحراً.
    عمَّ صمت لبرهة.. ثم أعقبت أمل بحديثها:
    - وعند أبي، وخالي عامر أخبار شفهية، ورسائل تشرح دورهم، خاصة القادمين منهم إلى "أوال".
    قاطعتها أمي مؤكدة:
    - صحيح، وهما عازمان على تدوينها، هذا ما سمعته من سعيد، وأكداه لي.
    ثم أطرقت أمل، قائلة:
    - أووه أخذنا الحديث..