بشرية الرسول عليه السلام بين الغلو والإجحاف
النبي عليه السلام بشر مثلنا له عينان ويدان ورجلان وجسد، ويمشي ويأكل ويضحك ويبكي كغيره من البشر، إلا أنه جاء برسالة خاتمة قويمة، فأنت تحاول تجسيد هذا النبي من خلال هذه الرسالة، فتصدق وتحسن وتخلص وتعمل وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ونحوه.
لذا نجد الله سبحانه وتعالى خاطب نبيه كبشر، قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا.
والعقلية هي العقلية لا تتغير، فأولئك لكون الرسول حيا بينهم، لم يخطر في بالهم أن يكون هذا البشر الذي يتصف بصفات البشر أن يكون رسولا، وهؤلاء نتيجة البعد الزمني، والموروثات الروائية والتأريخية لم يتصوروا في ذهنهم أن يكون مثلنا، فأولئك غالوا في الإجحاف، وهؤلاء غالوا في الإطراء، فتصور أولئك أن يكون الرسول غير محمد الذي ترعرع بين جنباتهم مشى وركض وشرب وأكل، وتصور هؤلاء أنّ الرسول كائنا آخر في صورة بشر، كما تصور النصارى المسيح ابن مريم في صورة الله سبحانه، لذا قال تعالى عن أولئك: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا.
لذا أخبر سبحانه أنّ هذا الرسول سيموت: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وحذّر من الانقلاب على الأعقاب بعد وفاة الرسول، ولصق الرسالة بذات الرسول، وإشراكه مع الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.
وبين أنّ هذا الرسول سيسأل يوم القيامة شأنه كالبشر جميعا: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا.
وشاء الله أن يحفظ الرسالة الخاتمة بحفظ كتابه، فهو رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
وهذا لا ينقص شيئا من مكانة النبي، ولا أحد أيضا يزايد في حبه، بل الغلو فيه إنقاص له، ورفعه إلى منزلة الله تعالى، وإشراكه في الحساب والقضاء وعلم الغيب والشفاعات إشراك مع الله تعالى المتفرد بذلك وحده، وهو في حد ذاته إساءة للنبي عليه السلام، كما فعل النصارى مع المسيح ابن مريم: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا.