كُتبت بتاريخ 03 أبريل 2013
بعد الجزئين السابقين هنا مرة ثالثة تحاول ان تكون زاوية ثالثة لمحاولة قراءة كتاب الربيع العماني، اعداد وتحرير سعيد سلطان الهاشمي بمشاركة عدد من الكتاب والفنانين، الفارابي ٢٠١٣
عمان في قصاصات الصور:
كتاب الربيع العماني غني بالصور المكثفة في لقطات، وتلك هي الصور التي يحصل عليها القارئ ويقرأها، بما في ذلك صورة السيد العماني في الماضي القريب والتي يذكرها محمد المحروقي: صورة العماني التاريخية التي أقامت امبراطورية مترامية وقوية في الماضي القريب عبر بناء العدل وتحقيقه. 47
إلى صورة الماضي الأقرب والتي يسجلها ناصر صالح في عرضه لصورة الثقافة العمانية: إعلاء ثقافة الطاعة والولاء كوسيلة للترقي الوظيفي والاجتماعي على حساب الكفاءة والاقتدار، حرمان المواطنين من المشاركة السياسية، وحقوقهم في التعبير عن آرائهم وأفكارهم..الخ، وهو ما أدى إلى إيقاف حركة النمو الثقافي والسياسي الطبيعية للمجتمع، وتجريف التربة العمانية من الخصب الواعد للمواهب العلمية والفكرية، وبالتالي شلل اجتماعي عام، وركود وسكون شبه تامين. ص66
مثلما يلتقط ناصر صالح أيضاً صورة للحظة المشاركة الشعبية الجارفة ٢٠١١: لحظة الانعتاق الأولي من الخوف، لحظة التحرر من الأسر، والانطلاق والحرية. إنها لحظة استعادة الشعور بالذات الفردية كشخصية حرة، والوعي بالذات الجماعية كشعب عماني له إرادة وعزيمة وقدرة على التغيير. كان الفرد العماني يعلن ذاته لأول مرة: أنا أحتج، وأرفض، وأعترض إذاً، أنا موجود. ص69
ويرصد ناصر صالح صورة جماعية للشعب ٢٠١١: الشعب العماني أخذ يتبلور كهوية وإرادة جامعة، وككيان معنوي جماعي له شخصيته الاعتبارية وحقوقه في المشاركة وصنع القرار.
يشرّح أحمد المخيني تلك الصورة/اللحظة عن كثب: أحداث فبراير أحدثت فارقاً في ذهنية الإحساس بالذات لدى الكثير من العمانيين، وفارقاً في المشهد القانوني والسياسي في البلاد، ومثلما كان الناس كثيراً ما يستشهدون بثورة 23 تموز سيستشهدون بانتفاضة 26 فبراير وستظل حدثاً هاماً في النسيج الاجتماعي والسياسي العماني لسنوات طويلة مقبلة. ص96
إذن كانت لحظة انفجار شعبي، والانفجار وليد أزمة ضاغطة، وذلك ما يشير إليه ويكتبه سعيد سلطان الهاشمي: ثلاث أزمات رئيسية كانت ضاغطة على الانسان العماني، متراكمة ومتراكبة عليه..وهذه العوامل هي: التعليم، والتشغيل، والمشاركة السياسية ص113
ويقرأ الهاشمي في صورة العماني التي طفت على الساحة٢٠١١: عمق الوعي الشعبي العماني بحقوقه وواجباته وحرصة على مشروع اصلاحي شامل دستوري وسياسي واقتصادي واجتماعي. ص138
بينما ينتقد صورة المثقف العماني ٢٠١١ حين يراه: حريصاً على ممارسة وصايات مركبة ومتناقضة في بعض الأحيان،.. ناهيك بالتزام نجوم كبيرة في سماء الثقافة والفكر في عمان، الصمت والاكتفاء بمراقبة المشهد عن بعد، مؤثرين السلامة إلى حين مرور العاصفة. 142
أما عبدالله حبيب فيصف لحظة الصورة العمانية: ما حدث لدينا في عمان على مستوى شعبي عارم هو فهم جديد للحالة التاريخية خارج الإطار التنظيمي والأيديولوجي. وأظن أن الشهداء قد ابتسموا من قبورهم الجمعية المجهولة أخيراً. 232
وما أذهله في صورة العمانيين٢٠١١: أكثر ما أذهلني هم الشباب العمانيون العشرينيون المفعمون بالحياة، وإرادة التغيير، وصناعة الغد والمستقبل بروح خلاقة ووثابة من غير دعم مباشر من الذاكرة الوطنية العمانية 233
وهناك يكتب عبدالله حبيب عن الفرق بين السكوت والصمت في تلك الصورة الحية: أثبت العمانيون أنهم يستطيعون السكوت لوقت طويل، لكنهم غير قادرين على الصمت إلى الأبد (وأظن أني أعرف الفرق بين السكوت والصمت) لقد علمتنا عمان الكثير في تلك الشهور الكاسحة، وأنا ما زلت أقرأ. ص233
هكذا يقرأ القارئ في تلك المحاولات الدؤوبة لقراءة صورة الذات العمانية، وآلام تلك الذات الجمعية وأحلامها، وربما حتى أوهامها فيما ترصد الإعلامية والبرلمانية السابقة طيبة المعولي: لغة قمع الحريات تبخر أحلام وحسن ظن الإنسان العماني ص245
أما المثقف الجنوبي فهيم المعشني فيلتقط صورة الحلم: لقد كان حلم الجميع من أقصى عمان إلى أقصاها الحفاظ على بنيان دولة حديثة قائمة على مبادئ الحق والمساواة والعدالة الاجتماعية، تصون الحقوق وتعزز الحريات، دولة مؤسسات نزيهة وشفافة 249
تلك القراءة الذاتية والتصوير اللذين يوفرها كتاب الربيع العماني أبعد غوراً، حتى تاريخياً، مثلاً حين يكتب الشاعر سماء عيسى: كان الهدف البريطاني الاستعماري واضحاً ألا وهو التعامل مع العمانيين كشعب فاقد القدرة على التواصل مع تاريخه وحاضره، مما يفقده بالتالي التواصل مع مستقبله وقدرته على العطاء الحضاري، هنا يتحقق الهدف الاستعماري، إذ يبدأ العماني السير ككائن في الطريق إلى الانقراض ص255
بينما يثبّت سماء عيسى عدسته في عين اللحظة: لا أزعم أن أحداث الربيع العماني ألغت ما سبق تماماً، إنها على الأقل زعزعت كثيراً من قيمة النظر المستمر إلى الوراء، النظر إلى الوراء دوماً محطة أمان للمهزوم، تقيه التصادم مع ما يدور في حاضره وما سوف يدور في مستقبله. 256
فيما بطل رواية سليمان المعمري (الذي لا يحب جمال عبد الناصر) يستفز إجابة مختلفة من السيدة العمانية الشيعية الاباضية المتحررة التي يقابلها عن حب عمان: لم أكن أعرف أنك تحبين عمان الى هذه الدرجة، قالت وهي تبتسم: تعرف ما هي مشكلتنا في عمان؟ أننا جميعاً نحبها، ولكن جميعنا يريد احتكارها لنفسه.. أنا أحبها وأنت تحبها والسلطان والوزراء ورئيس التحرير والفنان صالح زعل والشاعر سيف الحبسي والمذيع حسن الفارسي واللاعب علي الحبسي وأجهزة الأمن والشرطة وخفر السواحل.. لو أن كلاً منا سمح للآخر بالتعبير عن حبه لها بطريقته لصارت عمان جنة. ص285
بينما يكتب حمود سعود قصة عن مل يولد من وجع العماني على جدران السجن المركزي العماني بعدها بعام: كتبت اسم الله ممتداً إلى الأعلى وبعده كتبت عمان الجديدة.. ص307
بين الاقتصادي والمحلل السياسي:
لعل الدراسة الأكثر تميزاً عن أثر الأوضاع الاقتصادية على الربيع العماني هي دراسة د. حاتم الشنفري ص29 والتي تتناول بنظرة متفحصة (مدى نجاح تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة في السلطنة خلال الفترة من 2000- 2010 في توفير فرص عمل للمواطنين؟) وقياس النمو الاقتصادي بمسطرة التنمية الإنسانية المطلوبة، عبر دراسة وتحليل المؤشرات والبيانات الاقتصاديه:
إن التراكم الهائل للموارد المالية للحكومة نتيجة لارتفاع أسعار النفط في العقد الأول من الألفية الثالثة، وما نتج منه من ارتفاع حاد في النشاط الاقتصادي، لم يساعد على معالجة مشكلة الباحثين عن عمل بين المواطنين، وهذا ما حذرت منه تقارير برنامج الأمم المتحدة.. ص35
هكذا لم يصب ارتفاع اسعار النفط في حركة وعدالة الحركة الاقتصادية: عدالة الدخل لم تتحقق للمواطنين في هذه الفترة الزمنية ص36
بل بالعكس:ارتفاع حاد لمستوى مديونية الأسر في السلطنة من نسبة 78% في 2004م إلى نسبة 137% في 2008م ص37
وبالتالي: نسبة الأسر التي تعرف بالفقيرة زاد من 7.8% في العام 2000 إلى 11.8% في العام 2008م ص38
وكل ذلك: يدل أن النمو لم يكن رحيماً أو منصفاً لغالبية المواطنين ولم يؤدِّ بالنتيجة إلى استقرار اجتماعي ص38
وهي دراسة رصينة تناقش كيف أن فترة الرخاء الاقتصادي في الخليج مع ارتفاع اسعار النفط تواكبت مع ارتفاع حاد في الباحثين عن عمل: قلة فرص العمل وضعف الدخل وقلة فرص التعليم العالي، ساهمت في تغذية الحراك الشعبي لدى هذه الفئة (الشباب) التي تمثل 35% من جملة السكان حسب تعداد 2010م) ص40
أما دراسة د. مارك فاليري وهو كما ورد في الهامش: أكاديمي فرنسي، أستاذ دراسات الخليج والجزيرة العربية بجامعة اكستر، المملكة المتحدة. فيكتب عن الربيع العماني في مواجهة قدسية الحاكم. وفاليري هو الكاتب الوحيد غير عماني والذي يشارك بدراسته في أثر الاصلاح الاقتصادي: لم تقم الإصلاحات الاقتصادية في السلطنة بأكثر من أنها كرست هرمية وتراتبية المواقع الاجتماعية والاقتصادية. ص83
وكيف أن: تحول مدينة صحار من مدينة في الأقاليم الهادئة إلى العاصمة الصناعية للسلطنة أدى إلى إزعاج كامل للبنى الاجتماعية المستقرة. ص84
وفي الوقت الذي استحوذت فيه شركات عائلية كبرى على أرباح ذلك التحول: غالبية السكان المحليين لم ينالوا حظاً من المنافع الاقتصادية للتنمية الموعودة، بل خبروا تعفناً من جراء مراوحة أوضاعهم مكانها، وتراجعاً في مستوياتهم المعيشية. ص84
يقرأ فاليري في تحركات السلطة وخطواتها في بث الإشاعة حول المحتجين بوصفهم يعملون لشبكات خارجية، أو مخربين، والتعامل الباطش معهم.. الخ نقصين في فكر السلطة: النقص الأول عدم القدرة على التفكير في منوال غير المنوال الأمني، الثاني عدم القدرة على تقبل شرعية التعبير عن الرأي الآخر (دون اتهام هذا الرأي بمخالفة النظام العام) ص87
وفي فصلٍ ماتع يحلل فاليري حالة نزع القدسية عن الحاكم والتي مارسها الناس مباشرة عبر الاحتجاج في الشارع باللافتات كما في احتجاجات صلالة (إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم) وعبر المطالبات المختلفة بتغيير السياسات والنهج ص90
هكذا يخلص فاليري من قراءته إلى: حتى حزيران/ يونيو 2012م فإن الربيع العماني لم يؤدِّ إلى تغيير سياسي أو نظامي حقيقي ص92
وبالتالي كيف أن الاحتجاجات لا زالت تتواصل حتى 2012م وكيف: أضحى القمع الاستراتيجية المميزة لتضييق الخناق على أية أصوات مختلفة. ص93
ويختم: هل بإمكان هذا النظام القائم على شخص واحد أن يعلو على هذا التحدي الجديد؟ لا شيء أقل وثوقاً. ص93
كيف كانت محصلة تسلط السلطة وكيف كانت ردة الفعل هو ما سنحاول قراءته في الجزء الرابع من هذه الرباعية لقراءة كتاب الربيع العماني.
إبراهيم سعيد