07 آذار 2013 اطبع
سقوط عبدالله الغملاسي قتيلا برصاص قوات الأمن العماني، ولد صدمة عارمة في عمان. وقد تبادر اذ ذاك للأذهان: هل يقتل العمانيّ عمانيّا؟ هل من خرج مطالبا بالحقوق والإصلاح والتغيير مصيره الموت؟ هل هذا الشاب العاطل عن العمل والذي خرج ليطالب بحقه في وظيفة يستحق رصاصة تخترق جسده باسم "أمن الوطن"؟ الاشتباك الأمني الذي كان أساسه سوء إدارة السلطتين الأمنية والعسكرية للوضع في صحار، فإرسال الآليات العسكرية لدوّار الكرة الأرضية فجر السبت 26 فبراير 2011، والقبض على عدد من المعتصمين فيه ونقلهم مباشرة إلى سجن سمائل المركزي، مع الخطاب التهديدي لقائد المنطقة أمنيا هناك، كلها عوامل أدت الى اثارة موجة غضب بين المعتصمين الآخرين، فعمدوا إلى إغلاق دوّار الكرة الأرضية بعد سد مدخله بشاحنتين، ومنع السيارات القادمة من كل الاتجاهات من عبوره. فما كان أن تطوّر الأمر إلى اشتباك أمني اليوم التالي، مما خلّف قتيلا وهو الغملاسي وعددا من الجرحى، برصاص قوات الأمن العماني.
الموت والرصاص قاد المتظاهرين إلى حالة من الغضب، قاموا بحرق عدد من السيارات والمباني، مع محاصرة بيت والي صحار واضرام النار فيه، ولاحقا محاصرة مركز شرطة صحار كذلك، وقد تسبب ذلك بانسحاب مفاجئ لقوات الأمن وجيش السلطان عن طرقات صحار ومؤسساتها العامة كافة. وفجأة تواجد التلفزيون العماني الذي عمد إلى تصوير المباني المحروقة وتصوير المتظاهرين على أنهم مجرد فوضويين يسعون إلى التخريب، ومجموعة ضالة هدفها القضاء على كل منجزات النهضة!
ورغم أن مظاهرات صلالة "مسيرة نداء الخير" كانت سلمية تماما ولم تقع فيها أية اشتباكات أمنية، إلا أنهم قرروا الدخول في اعتصام مفتوح تبعا لانتشار خبر استشهاد الغملاسي، بعدما دعت الى ذلك مجموعة من الشباب في مسقط. وقد حصل لاحقا اعتصام عرف باعتصام "ساحة الشعب" أمام مجلس الشورى، بناء على دعوة من الباحث والكاتب السياسي سعيد الهاشمي والشاعر ناصر البدري، ورفعت يافطات عدة تمت كتابتها حينها، مطالبة بإلغاء المراسيم السلطانية التي صدرت في 26 فبراير 2011، والتي وصفوها ب"لعبة الشطرنج" وسنعود اليها لاحقا. كما طالبت اليافطات بمحاسبة المسؤول عن أحداث صحار ومقتل الغملاسي والجرحى الآخرين. واستمر الاعتصام حينها ولم يتوقف، رغم تفاوت عدد المشتركين فيه، ورغم ظهور عدد من الخلافات لاحقا، حول المطالب التي كان يجب على الاعتصام أن يتبناها.
فقد عملت المجموعة التي دعت الى الاعتصام إلى تثبيت مطلب "الدستور التعاقدي" كمطلب أساسي له، فيما رأى آخرون أن المطالب السياسية مثل تفعيل الدستور وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين وعزلهم عن العمل السياسي مع المطالب المعيشية من رفع الرواتب ومراقبة السلع وكبح جماح الغلاء...إلخ، كافية لأن تكون مطالب للاعتصام. ورغم ذلك، استمر الاعتصام حتى يوم 14 مايو 2011، وهو اليوم الذي قامت فيه السلطات الأمنية باعتقال كل من خرج في وقفة احتجاجية وتدخلت فيه المؤسسة العسكرية لفض كافة الاعتصامات في صلالة وصور وصحار ومسقط.
سقوط قتيل آخر يوم 1 إبريل 2011، إثر مظاهرة حاشدة في صحار خرجت للتنديد بقيام قوّات الأمن بمهاجمة منازل المتظاهرين وانتهاك حرماتهم، واعتقالها المتظاهرين والمعتصمين من دوّاري "الكرة الأرضية" و"الميناء". هذا القتيل "عبدالله العلوي" كان الشهيد رقم 2 الذي يسقط ضحية المواجهات بين متظاهرين سلميين لا يملكون غير صوتهم وهتافاتهم وعدد من اللوائح التي رفعوها في المظاهرة، وقوّات أمنية مدججة بالسلاح لا نعرف حتى الآن من أمرها يوم 27 فبراير، ويوم 1 إبريل باطلاق الرصاص على المتظاهرين.
والحادثة الأكثر غرابة ووحشية هي اختطاف الكاتب والباحث السياسي "سعيد الهاشمي" والكاتبة والإعلامية "باسمة الراجحي" يوم 8 إبريل 2011، وبعد ضربهما وتعذيبهما، تمّ رميهما في أحد سيوح منطقة غلا الصناعية، كلا منهما في جهة! وقصة الاختطاف حدثت حينما كانا في اجتماع في سيارة الراجحي في أحد الأماكن خارج محافظة مسقط، وتم اعتراض السيارة من قبل سيارة أجرة وسيارة من نوع van، نزل منها مجموعة من الشباب بملابس مختلفة بعضهم كان يلبس الأفرول الأسود الذي يلبسه عادة رجال قوات المهام الخاصة. وفيما تقدم الهاشمي والراجحي بدعوى ضد قوى الأمن الداخلي متهمين اياها صراحة بتنفيذ الاختطاف والضرب والتعذيب وقد أرفقوها بالعديد من الأدلة، قام الإدعاء العام بالتحفظ على القضية.
ورغم ما حدث في صحار، وحادثة الاختطاف المشار اليها هنا، وكذلك اعتقال الناشط الميداني "إسحاق الأغبري" وحبسه لفترة أسبوعين واطلاق سراحه بعد ذلك دون توجيه أية تهمه له، بعدما تمت محاصرة منزل عائلته الذي يسكن فيه من قِبل رجال قوات المهام الخاصة، إلا أن الاعتصامات استمرت وتيرتها وقيامها، وعاد المعتقلون في صحار والهاشمي والراجحي والأغبري الى المشاركة فيها، لكن الدولة أصدرت أوامر للمؤسسة العسكرية بفض كافة الاعتصامات في صلالة وصور ومسقط، وهذا ما حدث فعليا حين قامت في 11 مايو بفض اعتصامي صور وصلالة، والتقبض على كل من كان متواجدا حينها. ويوم 13 مايو قامت المؤسسة العسكرية بمحاصرة أماكن الاعتصام في مسقط أمام "مجلس الشورى" و"حي الوزارات"، واعتقال كل من تواجد فيها. وكان رجال العسكر حينها، يقومون بضرب كل معتصم بالعصيّ واللكمات بقبضات اليد، وإطلاق الرصاص للتحذير من أي هرب.
في يوم 14 مايو 2011، وبعد تواصل العديد من الشباب الذين لم يتواجدوا لحظة هجوم المؤسسة العسكرية على المعتصمين في ساحة الشعب "مجلس الشورى"، تم الاتفاق على القيام بوقفة احتجاجية، تحديا للسلطات الأمنية والمؤسسة العسكرية وتأكيدا على حق المواطن في ممارسة حقه الطبيعي والحقوقي بالاحتجاج. وعليه، خرجت مجموعة حاشدة من الناشطين للتنديد بالاعتقال التعسفي وبفضّ الاعتصامات، وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، كانت تحمل شعارات تطالب بالافراج عن المعتقلين، وتطالب بإلغاء قانون الاجراءات الجزائية الذي يتيح لأي شرطي باعتقال أي مواطن لفترة أسبوعين.. إلخ. ولكن سرعان ما طوقت الأجهزة العسكرية هذا الاعتصام بعدما أرسلت عددا كبيرا من الآليات العسكرية وما يفوق ال200 عنصرا من الجيش. وقد شاركت أيضا المؤسسة الأمنية في محاصرة المعتصمين مرسلة عددا مماثلا من عناصرها. وبعد الاعتصام بساعتين، تم القاء القبض على المعتصمين (ومنهم كاتب هذه الأسطر) وكان بقي وقتها 14 فقط منهم واحالتهم الى القسم الخاص ومن ثم اقتيادهم كلا بمفرده بعد إلباسهم الكيس الأسود لجهة غير معلومة. الحبس استمر بالنسبة الى البعض ليلتين وبالنسبة الى آخرين 4 ليالي. وتم خلاله التحقيق معهم جميعا حول مشاركتهم في الاعتصامات وصلاتهم ببعضهم البعض، ومن ثم توقيعهم على تعهد بعدم التجمهر مرة أخرى، والاكتفاء باقفال الملف دون توجيه أيّة اتهامات.
بعدها، توقفت عموما الاعتصامات في عمان طوال 2011، وكانت صحار الوحيدة التي تشهد مظاهرات متقطعة لفترة ساعة أو ساعتين، من أجل المطالبة بالإفراج عن معتقلي 28 مارس، الذين تم اعتقالهم من بيوتهم أو من ساحات الاعتصام. ولم يتعد الحراك لاحقا كذلك في مسقط أو صلالة أو صور سوى الوقفات الاحتجاجية التي رغم أهميتها، كان الحضور فيها محدودا جدا، وكانت الوقفات تتم دائما لنفس السبب: المطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
تتبع حلقة ثالثة بعنوان: الإصلاحات السياسية في عمان: الاصلاح داخل القمقم
الموت والرصاص قاد المتظاهرين إلى حالة من الغضب، قاموا بحرق عدد من السيارات والمباني، مع محاصرة بيت والي صحار واضرام النار فيه، ولاحقا محاصرة مركز شرطة صحار كذلك، وقد تسبب ذلك بانسحاب مفاجئ لقوات الأمن وجيش السلطان عن طرقات صحار ومؤسساتها العامة كافة. وفجأة تواجد التلفزيون العماني الذي عمد إلى تصوير المباني المحروقة وتصوير المتظاهرين على أنهم مجرد فوضويين يسعون إلى التخريب، ومجموعة ضالة هدفها القضاء على كل منجزات النهضة!
ورغم أن مظاهرات صلالة "مسيرة نداء الخير" كانت سلمية تماما ولم تقع فيها أية اشتباكات أمنية، إلا أنهم قرروا الدخول في اعتصام مفتوح تبعا لانتشار خبر استشهاد الغملاسي، بعدما دعت الى ذلك مجموعة من الشباب في مسقط. وقد حصل لاحقا اعتصام عرف باعتصام "ساحة الشعب" أمام مجلس الشورى، بناء على دعوة من الباحث والكاتب السياسي سعيد الهاشمي والشاعر ناصر البدري، ورفعت يافطات عدة تمت كتابتها حينها، مطالبة بإلغاء المراسيم السلطانية التي صدرت في 26 فبراير 2011، والتي وصفوها ب"لعبة الشطرنج" وسنعود اليها لاحقا. كما طالبت اليافطات بمحاسبة المسؤول عن أحداث صحار ومقتل الغملاسي والجرحى الآخرين. واستمر الاعتصام حينها ولم يتوقف، رغم تفاوت عدد المشتركين فيه، ورغم ظهور عدد من الخلافات لاحقا، حول المطالب التي كان يجب على الاعتصام أن يتبناها.
فقد عملت المجموعة التي دعت الى الاعتصام إلى تثبيت مطلب "الدستور التعاقدي" كمطلب أساسي له، فيما رأى آخرون أن المطالب السياسية مثل تفعيل الدستور وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى بالإضافة إلى محاسبة المسؤولين وعزلهم عن العمل السياسي مع المطالب المعيشية من رفع الرواتب ومراقبة السلع وكبح جماح الغلاء...إلخ، كافية لأن تكون مطالب للاعتصام. ورغم ذلك، استمر الاعتصام حتى يوم 14 مايو 2011، وهو اليوم الذي قامت فيه السلطات الأمنية باعتقال كل من خرج في وقفة احتجاجية وتدخلت فيه المؤسسة العسكرية لفض كافة الاعتصامات في صلالة وصور وصحار ومسقط.
سقوط قتيل آخر يوم 1 إبريل 2011، إثر مظاهرة حاشدة في صحار خرجت للتنديد بقيام قوّات الأمن بمهاجمة منازل المتظاهرين وانتهاك حرماتهم، واعتقالها المتظاهرين والمعتصمين من دوّاري "الكرة الأرضية" و"الميناء". هذا القتيل "عبدالله العلوي" كان الشهيد رقم 2 الذي يسقط ضحية المواجهات بين متظاهرين سلميين لا يملكون غير صوتهم وهتافاتهم وعدد من اللوائح التي رفعوها في المظاهرة، وقوّات أمنية مدججة بالسلاح لا نعرف حتى الآن من أمرها يوم 27 فبراير، ويوم 1 إبريل باطلاق الرصاص على المتظاهرين.
والحادثة الأكثر غرابة ووحشية هي اختطاف الكاتب والباحث السياسي "سعيد الهاشمي" والكاتبة والإعلامية "باسمة الراجحي" يوم 8 إبريل 2011، وبعد ضربهما وتعذيبهما، تمّ رميهما في أحد سيوح منطقة غلا الصناعية، كلا منهما في جهة! وقصة الاختطاف حدثت حينما كانا في اجتماع في سيارة الراجحي في أحد الأماكن خارج محافظة مسقط، وتم اعتراض السيارة من قبل سيارة أجرة وسيارة من نوع van، نزل منها مجموعة من الشباب بملابس مختلفة بعضهم كان يلبس الأفرول الأسود الذي يلبسه عادة رجال قوات المهام الخاصة. وفيما تقدم الهاشمي والراجحي بدعوى ضد قوى الأمن الداخلي متهمين اياها صراحة بتنفيذ الاختطاف والضرب والتعذيب وقد أرفقوها بالعديد من الأدلة، قام الإدعاء العام بالتحفظ على القضية.
ورغم ما حدث في صحار، وحادثة الاختطاف المشار اليها هنا، وكذلك اعتقال الناشط الميداني "إسحاق الأغبري" وحبسه لفترة أسبوعين واطلاق سراحه بعد ذلك دون توجيه أية تهمه له، بعدما تمت محاصرة منزل عائلته الذي يسكن فيه من قِبل رجال قوات المهام الخاصة، إلا أن الاعتصامات استمرت وتيرتها وقيامها، وعاد المعتقلون في صحار والهاشمي والراجحي والأغبري الى المشاركة فيها، لكن الدولة أصدرت أوامر للمؤسسة العسكرية بفض كافة الاعتصامات في صلالة وصور ومسقط، وهذا ما حدث فعليا حين قامت في 11 مايو بفض اعتصامي صور وصلالة، والتقبض على كل من كان متواجدا حينها. ويوم 13 مايو قامت المؤسسة العسكرية بمحاصرة أماكن الاعتصام في مسقط أمام "مجلس الشورى" و"حي الوزارات"، واعتقال كل من تواجد فيها. وكان رجال العسكر حينها، يقومون بضرب كل معتصم بالعصيّ واللكمات بقبضات اليد، وإطلاق الرصاص للتحذير من أي هرب.
في يوم 14 مايو 2011، وبعد تواصل العديد من الشباب الذين لم يتواجدوا لحظة هجوم المؤسسة العسكرية على المعتصمين في ساحة الشعب "مجلس الشورى"، تم الاتفاق على القيام بوقفة احتجاجية، تحديا للسلطات الأمنية والمؤسسة العسكرية وتأكيدا على حق المواطن في ممارسة حقه الطبيعي والحقوقي بالاحتجاج. وعليه، خرجت مجموعة حاشدة من الناشطين للتنديد بالاعتقال التعسفي وبفضّ الاعتصامات، وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، كانت تحمل شعارات تطالب بالافراج عن المعتقلين، وتطالب بإلغاء قانون الاجراءات الجزائية الذي يتيح لأي شرطي باعتقال أي مواطن لفترة أسبوعين.. إلخ. ولكن سرعان ما طوقت الأجهزة العسكرية هذا الاعتصام بعدما أرسلت عددا كبيرا من الآليات العسكرية وما يفوق ال200 عنصرا من الجيش. وقد شاركت أيضا المؤسسة الأمنية في محاصرة المعتصمين مرسلة عددا مماثلا من عناصرها. وبعد الاعتصام بساعتين، تم القاء القبض على المعتصمين (ومنهم كاتب هذه الأسطر) وكان بقي وقتها 14 فقط منهم واحالتهم الى القسم الخاص ومن ثم اقتيادهم كلا بمفرده بعد إلباسهم الكيس الأسود لجهة غير معلومة. الحبس استمر بالنسبة الى البعض ليلتين وبالنسبة الى آخرين 4 ليالي. وتم خلاله التحقيق معهم جميعا حول مشاركتهم في الاعتصامات وصلاتهم ببعضهم البعض، ومن ثم توقيعهم على تعهد بعدم التجمهر مرة أخرى، والاكتفاء باقفال الملف دون توجيه أيّة اتهامات.
بعدها، توقفت عموما الاعتصامات في عمان طوال 2011، وكانت صحار الوحيدة التي تشهد مظاهرات متقطعة لفترة ساعة أو ساعتين، من أجل المطالبة بالإفراج عن معتقلي 28 مارس، الذين تم اعتقالهم من بيوتهم أو من ساحات الاعتصام. ولم يتعد الحراك لاحقا كذلك في مسقط أو صلالة أو صور سوى الوقفات الاحتجاجية التي رغم أهميتها، كان الحضور فيها محدودا جدا، وكانت الوقفات تتم دائما لنفس السبب: المطالبة بالإفراج عن المعتقلين.
تتبع حلقة ثالثة بعنوان: الإصلاحات السياسية في عمان: الاصلاح داخل القمقم